يوسف المساتي يكتب: الفاست فود التحليلي بين الجهل والتغليط
يوسف المساتي
ما إن يخطب الملك حتى تتقاطر علينا التحليلات، وتنبري أقلام من يقدمون أنفسهم أهلا لذلك في العالم الافتراضي من كل حدب وصوب، وقد يبدو الأمر صورة صحية للنقاش السياسي ومظهرا من مظاهر حرية التعبير ساهمت فيها وسائل التواصل الاجتماعي التي حررت النقاش العمومي، وجعلت خطابات الملك محطا للتداول والتحليل بعيدا عن لغة الخشب.
بيد أنه بقدر ما يبدو الأمر إيجابيا فإن له سلبيات عدة، إذ أنه قد يسهم في نشر معلومات خاطئة أو في نوع من التغليط، وبالتالي، عوض أن يحرر النقاش العمومي ويرفع منه، ويسهم في التوعية السياسية قد يزيد من نسبة الجهل عبر ممارسات تدليسية، تنبع عن قصد أو عن قصور في المعرفة ببعض أبجديات الممارسة السياسية وعلى رأسها الوثيقة الدستورية.
في هذا السياق فإن من أبجديات التحليل لخطابات الملك باعتباره رئيس الدولة أن يكون المحلل مطلعا على الدستور المغربي، فلا يعقل مثلا أن نجد من بين بعض “محللي” خطابات الملك من يعتبر أن الدستور حدد مجالات الخطب الملكية، وأن الملك تقيد “بالمقتضى الدستوري الصرف في تدبيج خطابه للافتتاح الدورة البرلمانية فاكتفى بإصدار توجيهات للمعنيين به بشكل خاص: البرلمانيون كمشرعين والحكومة كمقترحة لمشاريع قوانين”.
وإذا كان لا يمكن نكران أن الملك قد واظب بالفعل على هذه الممارسة في الخطب الملكية منذ توليه العرش، وخاصة بعد إقرار دستور 2011، ولكن هذا يدخل من باب العرف الممارس وليس التقييدات الدستورية.
كما أنه لا يوجد في الدستور ما يجعل مجالات كالخارحية مثلا محفوظة للملك، بل إن الوثيقة الدستورية تنص بوضوح على أن التصريح الحكومي الذي يقدمه رئيس الحكومة يشمل الخطوط العريضة التي تنوي الحكومة القيامة بها في مختلف مجالات النشاط الوطني وبالأخص في الميادين السياسية والاقتصادية والخارجية والثقافية والمجتمعية والبيئية.
وقد يبدو عدم التمييز بين الممارسة والتقليد او العرف وبين الوثيقة الدستورية غير ذا قيمة، لكنه يظهر عن بعض الجهل الذي ينتشر عبر بعض المحللين بعد كل خطاب ملكي
إن نسب تقييدات أو ممارسات للوثيقة الدستورية، ولو دخل بعضها في باب الممارسة الحالية، لا ينطبق مع أبسط قواعد التحليل السياسي، ناهيك أنه أمر لا يليق، ولو كان ذلك يعكس الممارسة الراهنة، بل قد يكون لهذا النسب تأثير سيء على القاريء من خلال اللبس الذي قد يولده لديه، فمثلا لا يصح ادعاء أن اختصاصات تدخل في صلب مجال التسيير الحكومي هي حكر على رئيس الدولة بموجب نص دستوري.
وقد يبدو عدم التمييز بين الممارسة والتقليد او العرف وبين الوثيقة الدستورية غير ذا قيمة، لكنه يظهر عن بعض الجهل الذي ينتشر عبر بعض المحللين بعد كل خطاب ملكي، وهو ما يسهم في ترسيخ مغالطات على أنها حقائق ثابتة عوض ان يحرر النقاش ويطوره من اجل فهم اوضح للحقل والممارسة السياسية في البلاد،
وإضافة إلى عدم التمييز (عن جهل أو قصد) بين الوثيقة والعرف نجد أيضا الافتقاد لابجديات التحليل، اذ لا يزيد دور كثير ممن يتصدون لتحليل الخطابات الملكية على استعراض مضمون الخطاب الملكي واجتراراه اما بمفراداته او بصيغة اخرى، في حين أن التحليل له منهجياته المختلفة التي تهدف إلى الكشف عن الثاوي والواضح، واستجلاء سياقاته إقليمية ووطنية وافاقه، اضافة الى التحليل اللغوي لما ورد في الخطاب والوقوف عند طبيعة المفردات المستعملة وتوظيفها، وهو ما يكاد يغيب عن أغلب المحللين
خلاصة القول ان تداول خطابات الملك وتحليلها امر مهم وضروري، لكن في الان نفسه، فإن الاكتفاء بلغة خشبية اقرب للتبجيل، أو نشر التغليط والتجهيل فلا يزيد الطين إلا بلة، لهذا نقول للإخوة المحللين “زيروا راسكم معنا شوية وما فيها باس تقراو واخا غير الدستور، قبل أن يأتي زمان تتصدى فيه مي نعيمة لتحليل الوضع السياسي وتفتي الأخت فتيحة في التحولات الجيوسياسية لعالم ما بعد كورونا
زيروا معنا ها العار