يوسف المساتي يكتب: العنف ضد المرأة.. بين الخطاب والممارسة.. بين الواقع والافتراض
يوسف المساتي
تناقل رواد وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة مقاطع فيديو لاحتفال نساء سعوديات بقرار الدولة إلغاء إجبارية الحجاب، في نفس الوقت الذي تخوض نساء إيران حملة ضد سلطات بلدها، من أجل الغاء اجباريته، وهي الحملة التي أثارت تعاطف النساء والرجال في كل بقاع العالم.
موازاة مع هذا، نشرت الصحافة الأوروبية خبر الحكم في قضية اغتصاب يتابع فيها مسؤول في المفوضية الأوروبية (الفرع التنفيذي للاتحاد الأوروبي)، كانت قد جرت أطوارها داخل أروقة المفوضية، وتم الحكم على الفاعل بأربع سنوات سجنا موقوفة التنفيذ وغرامة مالية فقط، رغم ثبوت التهمة عليه؛ لن تتوقف صدمة الكثيرين هنا، إذ أن القضية استغرقت سبع سنوات في ردهات المحاكم، بقي خلالها المتهم يتلقى راتبه الشهري رغم إيقافه من العمل.
ولا يمكن إلا استنكار التسامح مع هذا النوع من الجرائم داخل مؤسسة أوروبية تشرع القوانين الحامية للمرأة
هذا الخبر لن يكون صادما لأصحاب الصورة الوردية تجاه أوروبا الحقوقية فقط، أو لأصحاب منح (بريكولات) دعم قضية المرأة الممولة من الاتحاد الأوروبي (الذي عرفت مفوضيته هذه القضية)، ولكن لكل انسان يؤمن بحرية الانسان وكرامته على اختلاف جنسه أو أجناسه (باش ما يتقلقوش شي وحدين)، ولا يمكن إلا استنكار التسامح مع هذا النوع من الجرائم داخل مؤسسة أوروبية تشرع القوانين الحامية للمرأة وتصدرها خارج حدودها الجغرافية تحت مسمى كونية القيم، في ذات الوقت الذي تستمر فيه بدفع راتب شهري قدره 15 الف أورو لموظف مدان (وليس فقط متهم) بالاغتصاب
إن التنديد لا يجب أن يتوقف عند الاغتصاب على اختلاف أشكاله (سواء داخل بيت الزوجية، او الاغتصاب المتكرر…) باعتباره أعلى مستويات العنف الجسدي ضد المرأة، بل يجب أن يشمل كل أشكال العنف ضد المرأة، خاصة العنف الجنسي، على اختلاف مظاهره من تحرش وايذاء ومضايقات في الشارع والعمل والمدرسة وكل الفضاءات العامة والخاصة، كما أن هذا لا يجب أن ينسينا محاربة العنف النفسي ضد المرأة سواء في المجالات الواقعية والافتراضية.
وربما لن نبالغ إذا قلنا أن محاربة العنف النفسي ضد المرأة في المجالات الافتراضية، أصبحت ضرورة ملحة، إذ أن هذه الفضاءات أطلقت العنان لأشكال متعددة من العنف النفسي ضد المرأة، باعتبار جنسها كامرأة، وقد يقول قائل هنا، إن العنف النفسي أخف وطأة وضررا من العنف الجسدي المباشر، فنقول أن الضرر الناتج عن العنف النفسي ومآلاته وما يمكن أن ينتج عنه يتجاوز ألما لحظيا، فأن يسعى إنسان إلى تحطيم امرأة عن طريق المس بسمعتها والضرب في عرضها وكرامتها، وما قد يحمله الأمر من تبعات عليها اجتماعيا واقتصاديا وعلى جميع المستويات، لا يمكن إلا أن يرقى لدرجة الجرائم الفادحة، وحسنا فعل المشرع المغربي عندما جرم هذا النوع من الجرائم، وإن كان الأمر يحتاج لنضال كبير من أجل الخروج من حالة التطبيع المجتمعي مع هذا النوع من الممارسات الاجرامية، في ظل سيادة ثقافة فضائحية تنتعش بالفضائح أكثر من الحقائق، ومن أجل تشديد الاحكام القضائية مع هذه الممارسات، فلا يمكن بناء مجتمع سوي والنصف الأكبر يعاني من أشكال متعددة من العنف النفسي واقعيا وافتراضيا.
وصفوة القول، أن الدفاع عن حقوق المرأة ليس برفع الشعارات كل عيد وطنيا كان أو عالميا، وإنما بالممارسات اليومية للأفراد الذين يتبنون هذه “الشعارات” وعلاقتهم بمحيطهم المؤنث سواء الأمهات أو الزوجات أو الأخوات أو البنات أو الصديقات والزميلات، أو كل امراة توجد في محيط الفرد، وبالممارسات الافتراضية والرقمية أيضا، وطبيعة الخطاب ومستواه، باختصار، هي ان يرتبط الشعار بالممارسة قولا وفعلا، واقعا وافتراضا.
تدوزو بخير