يوسف المساتي يكتب: أنوال والخطابي…عندما تطغى الأيديولوجية على الفن
يوسف المساتي
ما إن تم الإعلان عن بداية الاشتغال على تصوير فيلم سينمائي حول معركة أنوال، حتى اشتعل الجدل الذي تحول على غرار مختلف النقاشات إلى نقاش أيديولوجي أكثر منه فني، وهو الأمر الذي يظل عاديا، باعتبار أن الأعمال الفنية ذات الطبيعية التاريخية، والتي ترتبط بمجموعة دينية أو اثنية أو بشخصيات لها رمزياتها التاريخية في المخيال الجمعي غالبا ما تكون محط نقاشات كبيرة، خاصة إذا ارتبطت بها بناءات هوياتية أو نضالية، في هذا السياق، وارتباطا بالفيلم المزمع تصويره، لابد من ابداء الملاحظات التالية:
– الخلط بين الفيلم والوثائقي
لازال هناك خلط بين السينما التاريخية والوثائقي التاريخي، فهذا الأخير أشبه بالعمل الصحفي، إذ يفترض فيه أن يتحرى الحقيقة التاريخية (على نسبيتها) ويعتمد على الوثيقة التاريخية والتصريحات …الخ، ويفترض أن يسعى ما أمكن إلى تقديم وجهات النظر المتباينة، أو على الأقل الإشارة الى نسبيتها، كما أنه ملزم بتتبع الحدث أو الشخصية تاريخيا، دون أي انزياحات، بمعنى أن الوثائقي التاريخي يرتبط بالوثيقة (على اختلاف كل اشكالها وانواعها) والتاريخي.
أما الفيلم السينمائي التاريخي فلا يقدم الحقيقة التاريخية، بل يستوحي أحداثه أو بعضا منها من التاريخ ويقدم معالجة درامية لها، لا يشترط أن تكون تاريخية أو حقيقية، كما يمكنه أن يركز على جوانب ويغفل أخرى، أو يتناول جزءا فقط من الحدث أو سيرة الشخصية؛ لكن في الوقت نفسه، لابد للعمل السينمائي أن يحترم كرونولوجيا الأحداث، والخطوط العامة للحدث أو الشخصية التي يتناولها، وألا تكون المعالجة نقيض الحقائق التاريخية الموثقة (مع استحضار نسبية التاريخ)، وألا يقدم عمله على اعتبار أنه حقيقة تاريخية.
– عمل مؤدلج أم شخصية مؤدلجة
من بين نقاط الاعتراض التي ساقها البعض، أن العمل ممول من المركز السينمائي المغربي، وهو جهة رسمية تابعة للدولة المغربية، مع استحضار طبيعة العلاقة مع الريف سواء تاريخيا أو حاليا، وبالتالي، فإن الأمر يحمل مخاطر “تشويه” (حسب تعبير البعض) رمزية هذه الشخصية.
قد يبدو التخوف مشروعا في ظاهره، فأي جهاز كيفما كان يسعى إلى تقديم سرديته التاريخية، مستغلا في ذلك كل الوسائل المتاحة، وعندما يتعلق الأمر بالسلطة، فإن الأمر يتخذ حدة أكبر خاصة في علاقتها بمن يعتبرون في خانة المعارضين أو غير المرضي عنهم، وهو أمر دأبت عليه الأجهزة السلطوية في كل مكان، والحركات الأيديولوجية أيضا، إذ يصبح التاريخ أداة شرعية ومحط نزاع بينهم.
ومادام الأمر يتعلق بمحمد بن عبد الكريم الخطابي، فلابد من الإشارة إلى أن صورته تعرضت للأدلجة إن لم نقل التزييف من مؤيديه أيضا، ولنتساءل هل يقبل اليوم بعض من مؤيديه خاصة من مناصري الطرح الامازيغي الراديكالي، أن تتم الإشارة في الفيلم إلى ان محمد بن عبد الكريم الخطابي كان عروبي الهوى والتوجه، وأنه منع تدريس الأمازيغية في الجمهورية التي أقامها، وسعى إلى أن تكون جمهوريته أول جمهورية عربية إسلامية، وأنه توفي في كنف جمال عبد الناصر أحد رواد القومية العربية، قد يجد كثير من المغالين في تقديس صورة الخطابي حرجا من تداول هذا الوجه الذي يتناقض مع خطابهم الحالي، بل ومع بنائهم الهوياتي ككل.
يمكن القول، أننا أمام صورة مؤدلجة لمحمد بن عبد الكريم الخطابي، يمكن لهذا العمل السينمائي أن يسهم في فتح نقاش حول بعض من جوانبها، ويدفع آخرين إلى تقديم وجهات نظراتهم ورؤاهم، وهو ما سيغني الساحة الفنية أولا، ويفتح نقاشا حول كثير من الأيقونات التاريخية التي تكاد تعلو إلى مرتبة التقديس
– نقد فني لعمل لم يصدر
بعض المنتقدين ركزوا انتقاداتهم على المخرج وبعض من طاقم العمل، خاصة ربيع القاطي ومحمد الشوبي، ولا يمكن للإنسان إلا أن يعجب لهذه القدرة الخارقة التي أوتيها البعض وقدرتهم على نقد وتحليل ما لم يؤتوا به علما، فأبسط أبجديات النقد تتطلب مشاهدة العمل أكثر من مرة قبل تقديم قراءة نقدية له، أما ما يجري حاليا فهو تنمر أقرب منه إلى النقد، لهذا لا باس أن تخصص هذه الأقلام المنتقدة في وسائل التواصل الاجتماعي بعضا من وقتها لمشاهدة الفيلم عندما يطرح في القاعات السينمائية من اجل نقد بناء وتشجيعا لهذا النوع من الاعمال.
خلاصة القول، أن تصوير فيلم حول معركة أنوال يظل فكرة إيجابية، من أجل رد الاعتبار لجزء من التاريخ المغربي وتوظيفه تاريخيا، والتعريف به، وطرح الأسئلة المقلقة والشائكة حوله، في افق التصالح مع كثير من مناطق الظل فيه، يستلزمها النقد البناء والموضوعي من اجل تطوير التجربة، أما النقاشات التي تسبح بحمد الايقونات وتوغل في النقاشات المؤدلجة فستبقى في مكانها تجتر نفسها.
الحاصول: تدوزا بخير