د. محمد اشلواح يكتب: لماذا يغير النظام الجزائري “جنرالات” “الأمن الخارجي”؟!!
د. محمد اشلواح*
عمد النظام الجزائري إلى القيام بإجراء أربعة تغييرات على رأس جهاز “الأمن الخارجي”، وذلك في أقل من ثلاثة سنوات من حكم “التبون”، وهو الأمر الذي يُعدّ سابقة مثيرة ويطرح أكثر من علامة استفهام!
فمن غير العادي وليس من الطبيعي أن تُجرى تعديلات وإعفاءات بهذا الكم، في وقت(قياسي) زمني قصير، على رأس جهاز حساس كهذا(يفترض فيه الثبات والاستقرار)، حيث كان آخرها تعيين “جبار مهنى” مكان “عبد الغني راشدي”، الذي لم يعمر في منصبه أكثر من شهرين .
ماهي أسباب ودلالات هذا الكم من التغييرات والاعفاءات؟!!
إذا كان جهاز “الأمن الخارجي” (الذي سيترأسه “جبار مهنى”) ملقى على عاتقه الإلمام بالملفات الأمنية الخارجية، ذات الارتباط بالسياسة الدولية والإقليمية للجزائر، وتنسيق هذه السياسة وتحليلها و وضع مخرجات لقضاياها وإشكالاتها، فإن التغييرات/الاعفاءات على رأس الاستخبارات الخارجية، بهذا الشكل وفي هذا السياق، تكشف عن أمور عديدة لعل أبرزها ما يلي:
– وجود تخبط كبير في “السياسة العامة” للنظام الجزائري؛ الموجهة للداخل وكذا تلك التي تعني الخارج، فتبديل رؤساء أجهزة حساسة دليل على وجود خلل وارتباك في التنسيق بين “مؤسسات” “الدولة”، حيث أن الأمر يفترض نوعا من الانسجام بين التدبير الداخلي والخارجي لِكَونه(التدبير) يُتَرجَم على صعيد سياسة الدولة الخارجية، على اعتبار أن هذه الأخيرة امتداد لما يقع على الصعيد الداخلي.
– لم يسبق أن حدثت مثل هذه التغييرات، على رأس جهاز مهم في (مفاصل) النظام الجزائري، في زمن قياسي مثل ما حدث في عهد “عبد المجيد التبون”الذي أقال في أبريل 2020، مدير “الأمن الخارجي” كمال الدين رميلي،بذريعة “إعادة الهيكلة” للجهاز الأمني والجيش، وعيّن اللواء “محمد بوزيت: في منصبه. وبعد ذلك توالت مسألة الإطاحة برؤساء هذا الجهاز، بعد وقت وجيز من تعيينهم، وذلك حتى قبل أن يطَّلعوا على طبيعة منصبهم والملفات التي سيباشرون الخوض فيها، وقبل حتى أن “يسخنوا مكانهم”!.
فتعيينات بهذا الشكل دليل على عدم اطلاع السيد “التبون”على ما يجري في محيطه، ودليل على أن لا سلطة له على المؤسسات الحساسة في البلاد، خاصة تلك التي تضطلع بالشأن الخارجي للجزائر. فحتى الصراع الذي كان إلى عهد قريب (في عهد “بوتفليقة”) بين الرئاسة والمؤسسات النافدة/ الاشخاص النافدين(الجنرالات)في النظام الجزائري، حسم لصالح العسكر بشكل نهائي في الوقت الراهن، فالرئاسة صورية والقرار يُتَّخذ، اليوم، في الثكنات بشكل يتجاوز بكثير ما كان عليه الأمر من قبل.
– هذه السرعة في تبديل رؤساء جهاز “الأمن الخارجي” للنظام الجزائري تبرهن على عدم الثقة السائدة بين الجنرالات المتنفذين في جهاز العسكر، فواضح أن الموالاة، القرابة،.. والاملاءات الخارجية(خاصة الفرنسية والروسية..)، إضافة لمزاجية “شنقريحة” ومن معه، هي المحددات التي تتحكم في صياغة كيف تدار “مؤسسات” “الدولة” ونوع الأشخاص الذين سيقومون “بإدارتها” و تنسيقها!!.
-إذا كان المثل يقول” لانغير الفريق الفائز”، فالتغييرات التي تطرأ على جهاز الأمن الخارجي، في زمن قياسي، تؤكد إحدى الحقيقتين فإما: أن هؤلاء الأشخاص(الذين يتم تعيينهم ك”مسؤولين” على رأس “الأمن الخارجي”) غير أكفاء!!، وإما أن تقدير هؤلاء الرؤساء(الجنرالات) الذين يعَيِّنُون هؤلاء “المسؤولين” بعيد عن الموضوعية في تقييم الأمور.
لابد وأن واحدة من الاثنتين(الحقيقتين) مؤكدة ومرجح أيضا أنهما قائمتين في نفس الوقت. ومهما كان الأمر فهناك حقيقة مطلقة ونتيجة واحدة وهي: تحقُّق فشل كبير لدى صانع القرار الدولي في فريق “النظام”
الجزائري، والدليل على ذلك فشله في تدبير العديد من الملفات الخارجية( العجز البيِّن في الملف المالي، الفشل في وساطة سد النهضة، والفشل في تدبير ملف الغاز مع إسبانيا، التسبب في اندلاع أزمات متتالية في الجوار الاقليمي: مع المغرب، مع الفرقاء في ليبيا، تعميق الأزمة السياسية في تونس…)
– عودة جناح معين للسيطرة على سلطة الجنرالات؛ يتعلق الأمر هنا بجناح “محمد مدين”، المعروف بالجنرال “توفيق”،وخالد نزار والجنرال “طرطاق”..،والدليل على عودة جناح الجنرال “توفيق” لقيادة النظام الجزائري هو أن “جبار مهنى” كان من الضباط الموالين ل”التوفيق” ومن المحسوبين عليه، حيث تولى العديد من المهام والمسؤوليات، كان أبرزها منصب مدير لفرع”مصالح أمن الجيش” الجزائري، بعد ترقيته إلى رتبة جنرال سنة 2005 ، وهي من فروع المخابرات العامة الجزائرية.
فهذه المعطيات تؤكد أن ما يقع في “مطبخ” النظام الجزائري، اليوم، يتم بتوجيه من الجنرال “التوفيق”، فالرجل( جبار مهنى)كلف بالمصلحة أعلاه(مصالح أمن
الجيش) في الوقت الذي كان الجنرال “التوفيق” يترأس جهاز “المخابرات العامة”(قادها لمدة تزيد عن ربع قرن)، و”مصالح الجيش” كانت مجرد فرع من فروع المخابرات العامة التي يقودها أنذاك ويتحكم فيها الجنرال “توفيق”.
فإذا كان الجنرال “التوفيق” مسؤول بشكل كبير عن ما وقع من بطش خلال “العشرية السوداء” في الجزائر
[في سنة 1990 عين “توفيق مدين” وهو برتبة عقيد على رأس المخابرات الجزائرية، وبعد ذلك واجه أزمة أمنية كبيرة عقب إلغاء الانتخابات البرلمانية عام 1992، بعدما فازت فيها “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” بأغلبية المقاعد، حيث عاشت الجزائر وضعا أقرب ما يكون إلى حرب أهلية راح ضحيتها أكثر من مئتي ألف جزائري]، فإن “جبار مهنى” يعد من بين الضباط الذين اعتمد عليهم” التوفيق” خلال هذه الفترة، حيث وظفهم في العديد من اللحظات، بما يناسب مصالحه، كما كان الأمر في “الصراع” الذي كان بين أجنحة السلطة في النظام الجزائري(الرئاسة والاستخبارات..) في العهود الأخيرة للرئيس بوتفليقة.
الدليل كذلك على أن هذا التيار يقوده جناح “توفيق مدين”، هو أن مصير “جبار مهنى” كان يسير ومصير الجنرال “التوفيق” و مرتبط به، فتبرئة “التوفيق” من التهم التي كانت موجهة إليه، أفضت أيضا إلى تبرئة “جبار مهنى” وكان ذلك في يوليوز 2020 ، حيث أفرج القضاء العسكري عن الجنرال “جبار مهنى” بعد تبرئته من التلهم الموجهة إليه والتي كانت تتمثل أساسافي التعسف في استعمال السلطة والثراء غير المشروع .. .
لذلك نقول أن تعيين جبار مهنى على رأس” الأمن الخارجي” تم بأوامر من رئيسه السابق، “توفيق مدين”، “صانع” الرؤساء في الجزائر حيث عايش ستة رؤساء و12 رئيس حكومة، إلى أنهى الرئيس السابق “عبد العزيز بوتفليقة” مساره سنة 2015، في إطار صراع الجنرالات على السلطة، قبل أن يعود إلى الانقضاض عليها في عهد “عبد المجيد التبون”.
فطبيعي أن يعود هذا الجنرال للعمل على إعادة إنتاج “نفسه”، فهو الذي كان مسيطرا على كل أجهزة المخابرات التي اخترقت مختلف المؤسسسات المدنية والعسكرية، بمبرر “حماية البلاد من الإرهاب والفساد”،
لذلك كان،و رجع، يتدخل بشكل حاسم في تعيين مختلف المسؤولين في النظام الجزائري.
وعليه فتعيين “جبار مهني” على رأس جهاز “الأمن الخارجي” يؤكد بالملموس سيطرة جناح “مدين” و”خالد نزار” و”عثمان طرطاق” .. و”شنقريحة” ومن يدور في فلكهم على مفاصل الحكم في الوقت الراهن بالجزائر.
فهذا الجناح و هو الحاكم للجزائر،اليوم، يقوده الجنرالات( التوفيق،نزار، شنقريحة..) يعمل على تثبيت أتباعه في السلطة من أجل الهيمنة عليها من جديد، بعدما كان قد فقد السيطرة عليها منذ 2015( خاصة بعد إقالة “توفيق مدين”).
فبتعين الجنرال “جبار مهنى” كرئيس “للأمن الخارجي”، إلى جانب تعيين الجنرال “عبد العزيز مجاهد” مستشارا لـ “عبد المجيد التبون” في الشؤون العسكرية والأمنية،
وعدد من الموالين( لهذا الثلاثي) في مناصب المسؤولية وعلى رأس “مؤسساتٍ” مهمة بعد استبعاد وإعفاء “متمردين”، يكون هذا الجناح قد قضى على تركة الجنرال “القايد صالح”، وأصبح، مرة أخرى، يتحكم في
كل الأجهزة في الجزائر وأيضا في المجتمع الجزائري وفي موارد الشعب وخيرات البلاد.
لذلك يمكن القول بأن هذا الجناح قد كَوَّن(أو أعاد إنتاج) نسق ذو عقلية “تقليدية” تتبنى القمع والقتل والعنف والاختطاف. وهي عقلية متأصلة عند هؤلاء الضباط الدمويين منذ “العشرية السوداء”، وقد يُفعِّلونها في أية لحظة ضد الشعب الجزائري، التواق إلى التحرر واستعادة حقه العادل والمشروع، على موارد البلاد وعلى السلطة التي سلبها الجنرالات، ضباط فرنسا، كما سماهم الأمين العام،السابق، “لجبهة التحرير الوطني”، “عمار سعداني”.
– نظام العسكر في الجزائري منذ الاستقلال الشكلي للجزائر وهو يتبنى عقيدة تحكم سياسته الخارجية تقوم على الإساءة للمملكة المغربية وعلى المساس بالوحدة الترابية للمغرب، فقد كان هذا النظام قد تورط في تشكيل البوليساريو، وقام بعدوان مباشر في العديد من المرات على الأراضي المغربية، كما هو الأمر خلال العدوان على “أمغالا” سنة 1976. فهؤلاء الذين يقُودون النظام الجزائري، اليوم، هم نفسهم الذين تورطوا في
اعتداءات سابقة وبشكل مسترسل وممنهج على المغرب.
فالجنرال “سعيد شنقريحة” كان عضو فاعل في جيل الحرس القديم، بالنظام الجزائري، الذي أسهم في بناء عقيدة العداء للمغرب. فهذا الشخص يعد من العسكريين الأكثر عدوانية تجاه المغرب، لكونه كان معتقلا ( سعيد شنقريحة) من قبل القوات المسلحة الملكية في معركة امغالا الأولى سنة 1976 . و هو اعتقال( بعد تدخل مصري لدى المملكة المغربية واستعطافها لإطلاق سراح كتيبة جزائرية أطلق سراح شنقريحة) جعل شنقريحة يحمل حقدا دفينا اتجاه المغرب. حقدٌ ترجمه في عِدَّة سلوكات؛ كدعمه للبوليساريو بشكل علني، وتحريضها على الحرب ضد المغرب(كما تؤكد العديد من الفديوهات والحجج)، وتدريب مليشياتها وتمويلها ومدها بالسلاح..، وزاد دعمه هذا بالخصوص بعد تعيينه قائدا ل”الناحية العسكرية الثالثة” على الحدود الجنوبية الغربية للجزائر في 2004، إذ أشرف على إعداد إستراتيجية “لتأمين” الحدود التي تمتد لمسافة تزيد عن ألف كيلومتر.
فشنقريحة “القائد المرئي” للجناح العسكري المسيطر
على”النظام” في الجزائر لا يخفي عداءه للمغرب، وذلك ما جعله يدفع “التبون” لتنفيذ كل أشكال التهجم ضد المغرب ومصالحه، وهو نفسه(شنقريحة)الذي يصف المغرب ب”العدو” و يتهمه بالتآمر على الجزائر بـ “تجنيد خونة”..!!
أما الجنرالات “توفيق” و”خالد نزار” و”طرطاق..” فيُعتَبَرون من أبرز مهندسي السياسة العدائية للمغرب، إنهم الذين أشرفوا على المخطط الإرهابي الذي ضرب “أطلس إسني” بمدينة مراكش، في الرابع والعشرين من غشت 1994، والذي يعد كأول عمل إرهابي تشهده المملكة في تاريخها من طرف ارهابيين جزائريين(حاصلين على الجنسية الفرنسية)، وقد كان من بين أهداف هذه العملية محاولة استخدامها، كوسيلة لإيجاد مَخرج للبلاد من العنف الدموي الذي كانت تغرق فيه الجزائر آنذاك، بعد سحب(هؤلاء الجنرالات) الفوز بالانتخابات البرلمانية سنة 1992 من الإسلاميين.
وللإشارة فإن التحقيقات أكدت تورط جنرالات “العشرية السوداء” في هذا العمل الارهابي ضد المغرب، وهو الأمر الذي أكده العديد من الضباط السابقين
والمنشقين من صفوف الجيش الجزائري، كالضابط “كريم مولاي”.
فقد صرح هذا الضابط(كريم مولاي)،للعديد من المنابرةالإعلامية، قائلا: “كنت يومها ضابطا في صفوف المخابرات الجزائرية، وتوليت مهمة الإعداد اللوجستي لتلك العملية التي جرت يوم 24 غشت 1994، ردا على تصريحات العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، الذي صرح بأنه كان الأفضل للنظام الجزائري أن يعطي فرصة للجبهة الإسلامية للإنقاذ، التي فازت بالانتخابات البرلمانية أواخر عام 1991”!.
يضيف هذا الضابط بأنه “زار المغرب عدة مرات بداية من عام 1993 للترتيب لهذا الأمر… “. و برر دوره في هذه العملية بأنه ” قام بذلك في سياق ما كان يعتقد أنه خدمة لمصالح الأمن القومي الجزائري، قبل أن يكتشف بعد ذلك أنه كان يعمل لصالح جهات متنفذة في الجزائر هي أشبه بالعصابة، فقرر الفرار وإعلان الانشقاق عن النظام الجزائري في فبراير 2001، وطلب اللجوء السياسي في بريطانيا”؛ ويؤكد أن “ملف العلاقات الجزائرية ـ المغربية بيد القيادة العسكرية ولا يمكن
لرئيس مدني أن يبت فيه”.
في الواقع، فهؤلاء الجنرالات الجزائريين، الدمويون، هم الذين أصروا على اغلاق الحدود مع المغرب ومواصلة ذلك، كما أنهم عملوا على ترحيل آلاف المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء و ادخالهم قسرا إلى المغرب وبطريقة غير شرعية، وقاموا بالمتاجرة في البشر، وكذا إغراق المغرب بالاقراص المهلوسة..كما قاموا باختلاس المساعدات الانسانية التي تقدَّم للمحتجزين في تندوف(تقرير أصدره المكتب الأوروبي لمكافحة الغش سنة 2015).. وغيرها من الجرائم التي مارسها هذا الجناح الاجرامي اتجاه المغرب وكل المنطقة.
إن جناح” توفيق مدين”، الذي يقوده اليوم شنقريحة، وشردمة من الجنرالات المتقاعدين يُكِنُّون عداء لانظير له للمغرب، لذلك كان مسلسل عودتهم للحكم مدشنا بتجديد هذا العداء، وكان ذلك بيِّنا من الشعار الذي رفعه المرشح للرئاسة سنة 2019 (“الرئيس” الحالي) “عبد المجيد التبون”، والذي اعتبره كموضوع أساسي لحملته الانتخابية، والمتمثل في قوله” على المغرب الاعتذار عن إقفال الحدود في سنة 1994 ..”!!.
شعارات العداء والحقد هاته ترجمها الجناح المسيطر حاليا على النظام الجزائري(توفيق،نزار، شنقريحة..)في الدفع نحو تَوتِير العلاقات مع المغرب وقطع العلاقات الدبلوماسية معه، دون مبرر،..واستعمال البوليساريو وتوظيفها للزج بالعلاقات الاقليمية للمغرب في حالات شك، كما وقع مؤخرا مع تونس وفي العام الماضي مع إسبانيا، بعد اشراف المخابرات العسكرية الجزائرية على تزوير وثائق متهمٍ بارتكاب جرائم ضد الانسانية (ابراهيم غالي) لكي يصبح اسمه “ابن بطوش” قصد ادخاله للعلاج باسبانيا.
-إن تحقيق المغرب للعديد من الانتصارات الدبلوماسية في السنوات الأخيرة، خاصة في قضايا ذات ارتباط بملف الصحراء، يشكل في الوقت نفسه انهزام للدبلوماسية الجزائرية( دبلوماسية الجنرالات) والمخابرات الخارجية. هذا ما دفع النظام الجزائري يقوم في كل مرة بإعادة النظر في طبيعة الأشخاص الموجودين على رأس الأجهزة الأمنية التي تشرف على القضايا ذات الشأن الدولي.
لذلك فتعيين “جبار مهنى”، وهو الذي كان كَبْرَانًا صغيرًا يشتغل لدى هؤلاء الجنرالات، على رأس “جهاز الأمن الخارجي”، يأتي في إطار تعزيز جناح “التوفيق..”و يشكل في حد ذاته إعادة تجديد العقيدة العدائية تجاه المغرب ويدخل في إطار تفعيلها وابقائها واستدامتها!!.
-إن فشل النظام الجزائري في التأثير على العديد من القضايا الاقليمية(العربية والافريقية) والتي حاولت ديبلوماسيته توجيه مسار بعضها، دون جدوى، تبرز مدى ضيق ومحدودية التصورات السياسية، التكتيكية و والاستراتيجية، للجنرالات. فتقديم نفسه(النظام) كوسيط “محترم” في قضية “سد النهضة” أو في المسألة المالية(مالي) أو في القضية الفلسطينية.. لم يَجِد صدى لدى أطراف هذه القضايا، ونفس الأمر وقع في أخرى كالقضية الليبية،.. .
لقد عجز هذا النظام،إلى حدود اللحظة، عن “لَمِّ”شمل “الاخوة” العرب في إطار “القمة العربية” التي لم يتمكن من عقدها رغم مرور ثلاثة سنوات على التاريخ الذي كان مفترضا أن تنعقد فيه، فالمحاولات التي تمت بغرض تنظيمها كلها باءت بالفشل. إن البوادر التي تلوح
في الأفق،اليوم، بقرب انعقاد “القمة” العربية ترافقها مؤشرات تؤكد أن التمثيلية الدبلوماسية للدول لن تكون من أعلى المستوى، ولن يكون هناك أي نجاح لهذه القمة لأنه مرتبط أصلا بوضع عربي متشردم ساهم في تعميقه وتأزيمه النظام الجزائري( عبر تحالفه مع إيران ضد الامارات وكذا ضد اليمن، ومع “بشار الأسد”، القاتل، ضد الشعب السوري، والإصطفاف إلى جانب إثيوبيا ضد مصر والسودان، واحتضان ودعم مليشيات البوليساريو ضد المغرب..) وهو نفس النظام المشرف على تنظيم “قمة” الجامعة العربية!!
إن محاولة تجاوز هذا الفشل الدبلوماسي الذي تتحمل فيه” أجهزة الأمن الخارجي” التابعة للعسكر جزء كبيرا من المسؤولية جعل الجنرالات يتخذون قرارات الاعفاء، في كل مرة، للأشخاص الذين يتم تعيينهم على رأس هذا الجهاز أملا منهم في إيجاد مَن يحقق نجاحا ينسجم وتوجهاتهم ومصالحم الضيقة، في هذا السياق قرروا تعيين “مهنى جبار” لعله يكون المنقذ لهم ولاختياراتهم و”استراتيجياتهم”، الفاشلة، في المنطقة!.
-إن الظرفية الحالية التي تمر منها الجزائر داخليا وكذا
التطورات المتتابعة في شكل أزمات على المستوى الدولي( أزمة كورونا، أزمة الطاقة..) تشجع على رفع “رِيتم” الاستغلال البشع لثروات الشعب الجزائري ونهبها من طرف تكتل “شنقريحة” ومن معه، سواء بشكل ملتوٍ أو عبر الصفقات المشبوهة التي تبرمها “سونطراك”.
ففي الحقيقة عمليا كان الجنرالات يتحكمون في “السلطة السياسية” بالجزائر ويسيطرون على المجال الاقتصادي، ولا يزالوا اليوم، بل توغلوا أكثر في السنوات الأخير، وهو ما تؤكده العديد من التقارير، كما ذهب إلى ذلك مركز “مالكوم كارنيغي للشرق الأوسط” (في دراسة صدرت في مارس سنة 2021) ، حيث أكد بأن “النخبة العسكرية الجزائرية تتفاوض مع الوزراء والمدراء العامين لإفادة مشاريعهم العقارية والحصول على تسهيلات اقتصادية وجبائية وتخفيف القيود البيروقراطية، كما تسهم الشركات العائلية في حصول النخبة العسكرية على مناقصات وصفقات وطنية مع وزارة الدفاع الوطني، ومع باقي الوزارات…”
فمن أجل السيطرة، بشكل كامل على موارد الغاز الجزائري، يقوم الجناح المتحكم في النظام الجزائري
بتشكيل فريق يؤمّن له صفقاته المشبوهة والغير المشروعة ويدير عمليات الفساد بشكل محترف وآمن، وذلك من أجل خدمة مصالح الطغمة المتحكمة في كل شيئ بالجزائر (مع تقديم بعض العمال البسطاء أو بعض المدراء الصغار للحكم بتهم “الاستيلاء على أموال عامة” و”تبييض أموال” و”فساد في إطار إسناد الصفقات” لشركات أجنبية!!).
– إن الظروف الدولية، الصعبة، الراهنة التي ساهمت في إفرازها العديد من السياقات والأزمات المتداخلة والمتشابكة،لعل أبرزها الأزمة الروسية الأوكرانية التي تفرعت عنها أزمات متشعبة وخطيرة كأزمة الطاقة، سيستغلها نظام العسكر ليس للرفع من مستوى معيشة الجزائريين بمناسبة ارتفاع اسعار النفط(كما هو الأمر في الدول النفطية..) بل سيوظف أموال هذه الثروة الاستراتيجية في ابتزاز بعض الجهات الضعيفة( كما وقع مع قيس سعيد) وفي محاولات شراء المواقف واستمالة بعض الدول والأنظمة، كما كان يقع في السابق من بعض الجنرالات الأفارقة، أو تُصرَف على قيادة البوليساريو في السفريات..أما القوى الكبرى(فرنسا، اسبانيا، إيطاليا..) فتحصل على امتيازات في صفقات
الطاقة دون أي تنازل سياسي للكبرانات!، فمواقف هذه الدول ثابتة وتصاغ بشكل استراتيجي ولا يمكن لدولة رخوة ومتهالكة(الجزائر) يقودها نظام أرعن أن تؤثر في سياسات الدول الفاعلة على الصعيد الدولي مثل فرنسا أو ألمانيا.. .
فرغم أن الأوروبيين في حاجة إلى الغاز (الجزائري) في هذه المرحلة الحرجة فإنهم لم يبيعوا ولن يغامروا بعلاقاتهم مع الحلفاء والأصدقاء، كما هو الشأن مع المغرب في قضية الصحراء، وقد تمظهر هذا الأمر(مثلا) في موقف “ماكرون” خلال زيارته الأخيرة للجزائر، فرغم حاجة بلاده الماسة للطاقة فإنه لم يتراجع عن موقف بلاده في ملف الصحراء للحصول على الغاز، على حساب العلاقات المغربية الفرنسية الثابتة في هذا الموضوع.
لذلك، فرغم تعين “جبار مهنى” على رأس ” الأمن الخارجي” بهدف خلق “نفس “جديدة” في السياسة الخارجية للجنرالات، فهذا يُعَدُّ مجرد اعتقاد، غبي، لن
يغير- كما يظن الجنرالات- من مواقف وتصورات الأوروبيين تجاه الأوضاع في جنوب المتوسط، فهذا لن ينال من استراتيجية الدول الأوروبية القائمة على
استغلال ثروات المنطقة، وخاصة غاز الجزائر، مستغلين التناقضات التي أحدثها النظام الجزائري سواء داخل الجزائر أو في علاقةِ هذه الأخيرة مع البلدان المجاورة.
إن تعيين “جبار مهنى” وآخرون(سيأتون محله قريبا) على رأس الاستخبارات الخارجية الجزائرية لن يفك طلاسم فشل التدبير الخارجي،للنظام الجزائري، للقضايا ذات البعد الدولي وذلك،على الأقل، لسببين رئيسين:
الأول يتمثل في انعدام أي شكل من أشكال الديمقراطية في تدبير الشأن الجزائري، الداخلي والخارجي، وسيطرة ملشيات.. وملشيات الجنرالات على كل شيئ في البلاد وغياب دولة الحق والقانون بمفهومها الحديث.
والثاني: يتمثل في أن للاستخبارات الخارجية دور مهم، وأحيانا حاسم، في صياغة السياسة الخارجية و كذا في تنفيذها بالنسبة للدول.
لكن أي دول و أية استخبارات؟
أعتقد أن الأمر يتعلق بتلك الدول التي لها مؤسسات حقيقية وإمكانيات وتتمتع بثبات واستقرار، و لها وزن إقليمي ومكانة دولية، ولدى موظفيها ومسؤوليها التجربة، الكفاءة والخبرة..(كالمغرب) فلا أظن أن مثل
هذه الشروط تتوفر في جهاز متهالك(يتم استبدال رؤساءه في كل مرة) مثل” جهاز الأمن الخارجي” الجزائري.
*باحث في الشؤون السياسية والدولية