البدالي صافي الدين يكتب… حكومة أخنوش حكومة كفاءات أم حكومة الأزمات؟
البدالي صافي الدين
في البلدان التي عمادها الديمقراطية الحقة و قوامها مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة تكون الحكومة رهن إشارة المواطنين والمواطنات، تتواصل مع مطالبهم و تتفاعل معها و تستجيب لحاجاتهم. في هذه البلدان تدبر الحكومة كل أزمة كيفما كانت بكل حنكة وذكاء حتى لا تكون لها انعكاسات سلبية على البلاد ، فهي تلجأ إلى كل الآليات الممكنة من أجل تدبير الأزمة بفك رموزها والبحث عن سبل تجاوزها بالاعتماد على المقاربة التشاركية مع مكونات المجتمع، السياسية و النقابية والجمعوية والثقافية والمهنية.
ففي أوروبا مثلاً، هناك مجموعة من الدول غيرت من استراتيجيتها الاقتصادية والمالية تمشيا مع المناخ الدولي وما يعرفه من صراعات بفعل الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية والمالية باتخاذ إجراءات احترازية وذلك بالتعاطي مع أسعار المواد الأساسية باعتماد قاعدة التوازن بين العرض والطلب حتى لا يعم الاحتكار للمواد بحثا عن الاغتناء غير المشروع، ومراجعة نظام النفقات للحد منها للحفاظ على التوازنات المالية وضمان استقرار اجتماعي.
لكن في بلادنا المغرب نجد حكومة، قيل إنها حكومة كفاءات، لم تستطع تدبير الأزمة التي تمر منها البلاد كما ينبغي ،سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية، فلم تستطع إحداث تغييرات فـي البنية الاقتصادية رغم التطور الحاصل في مساهمة مستثمرين أجانب في المجال الصناعي، خاصة في قطاع السيارات، و لم تستطع الحد من ارتفاع معدل التضخم حيث بلغ 4,1 بالمائة إلى حدود نهاية أبريل 2022،و هو تضخم جاء نتيجة نمو اقتصادي اعرج أدى إلى تضرر القدرة الشرائية لكل الفئات الاجتماعية ، وإذكاء الغضب الشعبي رغم توفير فرص شغل لبعض الشباب في قطاعات الخدمات والصناعة،
و لمواجهة هذه الازمة فضلت الحكومة اللجوء الى الحلول الترقيعية بعيدة كل البعد عن الواقع الذي تعيشه غالبية الشرائح الاجتماعية و لم تعمل على مواجهة غول الغلاء الذي يصيب المواد الغذائية كل يوم و الذي جعل أغلب الأسر المغربية تعيش حياة ضنكا ولم تعمل على الحد من جبروت الاحتكاريين للمواد الغذائية في غياب مراقبة صارمة للأسعار، أما الدعم الاستثنائي لمهنيي النقل البري لم يكن في صالح الطبقات الاجتماعية الهشة بل كان في صالح أصحاب مالكي المأذونيات أي “أصحاب الكريمات ” الذين يزدادون ثراء في هذه الأزمة بغير حق.
إن البلاد تواجه أزمة اقتصادية حقيقية وأزمة جيوستراتيجية واجتماعية غير مسبوقة حيث الفوارق الاجتماعية و المجالية تزداد عمقا وحيث لا زال يستحوذ 20 بالمئة من المغاربة الأكثر يسرا على ما يفوق نصف دخل الأسر حسب الخبراء المغاربة و صندوق النقد الدولي وذلك بفعل تراجع معدلات النمو بالمقارنة مع السنوات الماضية و في غياب إصلاحات هيكلية حقيقية للرفع من مستوى الابتكارات و الاستثمارات التي لا زالت تعرف ضعفا رغم الوعود والخطابات الرسمية، بل هناك عراقيل تحول دون إرساء مبدأ المنافسة الشريفة مما جعل قطاعات عدة تعاني من الاحتكار خارج المنافسة الحرة، بالاضافة الى اشكالية الجمع بين المال والسلطة، الأمر الذي يجعل حكومة أخنوش ضعيفة أمام مصالحها الخاصة و لا تملك أي منهجية للحد من ارتفاع اسعار المواد الاساسية.
ويضرب رجل الأعمال وعضو لجنة النموذج التنموي كريم التازي مثلا بقطاع المحروقات الذي يتحدث عنه الجميع الآن، أو القطاع المصرفي الذي يسيطر عليه ثلاثة فاعلين كبار، من دون أن يقوم بمهمته في تمويل الاستثمار، وتشهد الوقائع المرتبطة بأسعار المحروقات بأن استمرار ارتفاع ثمنها مرده إلى لوبيات الاحتكار في هذا القطاع و إلى ضعف الحكومة التي تستمر في تجاهلها لمطالب الشعب المغربي، إنها حكومة خلق الأزمات لا حكومة الكفاءات.