ذ. مارية الشرقاوي تكتب: أي عدالة اجتماعية بالمغرب
ذ.مارية الشرقاوي
اعتبر العديد من المفكرين العدالة الاجتماعية مدخلا أساسيا لتحقيق التعايش السلمي داخل البلد، بل اعتبروها الطريق الأوحد والوحيد لانتعاشه وازدهاره، أما كمفهوم فتبقى العدالة الاجتماعية، وبشكل مختصر نظاما اجتماعيا اقتصاديا، يهدف إلى إزالة الفوارق الاقتصادية بين طبقات المجتمع الواحد، من خلال تمكين أفراده من حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، وذلك بتحقيق المساواة بينهم وتكريس مبدأ تكافؤ الفرص، وكذا التوزيع العادل للثروات من أجل بناء مجتمع عادل ومتكاثف.
و في هذا المقال، سأستهل الحديث عن واقع وتحديات المغرب في مجال العدالة الاجتماعية بمقتطف من الرسالة الملكية التي بعث بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للمنتدى الذي نظمه مجلس المستشارين بشهر فبراير من سنة 2016، بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية والتي جاء فيها ما يلي (….. ولذلك يشكل تحقيق العدالة الاجتماعية خيارا استراتيجيا لبلادنا وموضوعا أساسيا لتوجيهاتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ اعتلائنا عرش أسلافنا المنعمين.
لقد تأسس هذا الخيار على أولوية انشغالنا المستمر بالوضع الاقتصادي والاجتماعي اليومي لمختلف فئات شعبنا، لا سيما تلك التي تعاني من الفقر والهشاشة بمختلف مظاهرها. كما انه ينبني عن قناعتنا بأن الكرامة والعدل والإنصاف وتكافؤ الفرص وتحقيق سبل العيش الكريم لكل فئات شعبنا الوفي هي من حقوق الإنسان الأساسية ومن ثم شكلت جوهر العديد من مبادراتنا، وأساسا لتوجيهاتنا الإستراتيجية المتعلقة بالسياسات العمومية، لا سيما تلك التي نوجهها للحكومة والبرلمان ومجالس الجماعات الترابية ……).
من خلال هذا المقتطف من الرسالة الملكية، نستنتج بأن تكريس العدالة الاجتماعية داخل المجتمع المغربي تعتبر من التوجيهات الاستراتيجية السامية لجلالة الملك محمد السادس منذ ما قبل سنة 2016 الشيء الذي يدفعنا الى طرح سؤال من قبيل:
ما هو واقع العدالة الاجتماعية بالمغرب قبل وبعد هاته الرسالة الموجهة للحكومة والبرلمان ومجالس الجماعات وبمعنى أدق للمنتخبين؟
الجواب على هذا السؤال يدفعنا للحديث عن مجموعة من الأوراش الكبرى التي أطلقها المغرب بغية تحقيق عدالة اجتماعية نذكر منها :
*المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ورش ملكي، أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي بتاريخ 18 مايو 2005، كان الهدف منه التقليص من الفوارق الاجتماعية والمجالية و القضاء على الفقر والهشاشة بغية وضع قطيعة مع كل إقصاء اجتماعي و اقتصادي.
النموذج التنموي في نسخته الأولى كان الهدف منه تحقيق تنمية متوازنة ومنصفة تضمن العيش الكريم لكل مواطن، عن طريق توفير فرص الشغل و تحسين الدخل وتعميم التغطية الصحية وتوفير الصحة للجميع بشكل يحافظ على كرامة المواطن الإنسانية.
لكن المحصلة كانت مخيبة للآمال، حيث فشل تنزيله فشلا ذريعا الشيء الذي جعل جلالة الملك يطلق نموذجا تنمويا جديدا لازالت اثاره لم تظهر بعد، فالمغرب وحسب مؤشر ليجاتوم للازدهار لسنة 2023 احتل المرتبة 96 من بين 177 دولة وتجدر الإشارة الى كون هذا المؤشر يعتمد في تصنيفه على مجموعة من العوامل منها الثروة والنمو الاقتصادي والتعليم والصحة والرفاهية الشخصية ونوعية الحياة، وطبعا العديد من المؤشرات بالمغرب تدل على أن القطاع الاجتماعي ليس بخير وسنحاول في هذا الجانب رصد وضعية كل من الصحة والتعليم والفقر.
فولوج المواطنين للخدمات الصحية يعرف تفاوتا صارخا لأسباب جغرافية، وذلك بتمركز المستشفيات العمومية الكبيرة ” المستشفيات الجامعية” بالمدن الكبرى
الصحة: بالرغم من المجهودات المبذولة سيما في السنوات الأخيرة أذكر منها التغطية الصحية للجميع، هذا الورش جاء بعد نظام المساعدة الطبية ( RAMED) الذي شملته مجموعة من الأعطاب رصدناها في مقال *التنمية في المغرب…أي واقع والهدف منه تعميم التغطية الصحية، والوصول إلى التغطية الصحية الأساسية لأكــثر من 95% من الساكنة، وتقييم هدا الورش الان سيكون ضربا من الإجحاف والتبخيس كونه لازال يخطو خطواته الأولى.
لكن اذا أردنا رصد الواقع سنجده يحكي عن معاناة حقيقية وعميقة يعزى جزء كبير منها لعدم حكامة القطاع، فولوج المواطنين للخدمات الصحية يعرف تفاوتا صارخا لأسباب جغرافية، وذلك بتمركز المستشفيات العمومية الكبيرة ” المستشفيات الجامعية” بالمدن الكبرى، دونا عن المناطق القروية والجبلية، وكذلك لأسباب مادية حيث نجد الميسورين من الشعب المغربي يختارون الخدمات الصحية المقدمة من طرف القطاع الخاص، الذي على علته يبقى أجود و أسرع تفاعلا مع المريض، أما الطبقة الفقيرة المعوزة فتلجأ مجبرة لا مختارة إلى خدمات القطاع العمومي الذي يعرف العديد من الأعطاب وقد لا يلبي الحاجيات للجميع سيما لبعض الأمراض المكلفة والخطيرة نذكر على سبيل المثال لا الحصر السرطان والقصور الكلوي. أضف الى ذلك معدل الوفيات في صفوف الأمهات والرضع فبالرغم من تراجعه حسب احصائيات وزارة الصحة والمندوبية السامية للتخطيط الا أنه لازال مرتفعا سيما بالمناطق القروية و ما يعرف بالمغرب العميق.
*التعليم وما عرفه هذه السنة الدراسية من هدر للزمن المدرسي بسبب احتجاجات رجال ونساء التعليم لتحقيق مطالب نعتبر جزءا كبيرا منها مشروعا، وأيضا بسبب تعنت الوزارة الوصية برفض الحوار مع التنسيقيات التي هي من حركت و أطرت الاضراب وأصرت على الحوار مع النقابات فقط ،الشيء الدي كان سببا في إطالة زمن الاضراب الدي ستكون تداعياته مكلفة سواء ماديا أو معرفيا ،هدا بالإضافة لمجموعة من الإشكاليات العميقة التي يعاني منها التعليم العمومي منذ ردح من الزمن ، والدليل الخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس بتاريخ 20 غشت من سنة 2013 أشار من خلاله الى الوضع المخجل لقطاع التعليم حيث جاء فيه (….ما يحز في النفس أن الوضع الحالي للتعليم أصبح أكثر سوءا ، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة ….) وبالرغم من الجهود التي بذلت لازال التعليم لغاية اللحظة لا يبارح مكانه ولعل ما يحدث في الساحة الان يتحدث عن ذلك.
*الفقر: بالرغم من مجموع الأوراش التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لتقليص الفوارق الاجتماعية، وبتوفير العيش الكريم لكل مواطن وأذكر هنا النموذج التنموي في نسخته الأولى، والثانية إلا أن الفقر زاد استفحالا فحسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط حول تطور الفوارق الاجتماعية، تحدثت عن ارتفاع معدل الفقر المطلق من 3 في المائة سنة 2021 الى 4,9 في المائة سنة 2022 على الصعيد الوطني مما يعني توسع الفوارق الاجتماعية وبالتالي زيادة نسبة الفقراء في المغرب.
كل ما تم ذكره أعلاه كانت نتيجته عدم تزحزح المغرب عن الرتبة 126 في التنمية منذ عقود مما يدفعنا دفعا لطرح سؤال من قبيل:
– لماذا لم تتحقق العدالة الاجتماعية رغم المجهودات المبذولة والأوراش التي أطلقها جلالة الملك ؟
الجواب على هذا السؤال يلزمه الوقوف بكل شجاعة أمام المرآة لعكس الواقع ولتشريح الوضع بكل مصداقية، حبا في الوطن ورغبة في تجويد الحياة العامة لكل المواطنين على قدم المساواة وتحضرني هنا مقولة للزعيم السياسي البريطاني وينستون تشرتشل *الانتقاد قد لا يكون محببا لكنه ضروري، لأنه يقوم بنفس وظيفة الألم في جسم الانسان وينبهنا الى أمر غير صحي*، وعليه فمن بين الاسباب التي تحول دون تحقيق عدالة اجتماعية نجد عدم المساواة، وعدم تكافؤ الفرص والاقصاء الاجتماعي، والسبب الرئيسي لهاته المعضلات هو ضعف الأداء الحكومي الذي يحول دون النجاح في تفعيل العديد من المخططات والاستراتيجيات التي طالما جاءت في العديد من الخطب الملكية وكذلك عدم ترشيد النفقات العمومية وسوء توزيع الثروة كل هذا يفتح الفرصة لتفشي الفساد والمؤسف هنا هو احتلال المغرب الرتبة 94 عالميا مسجلا تراجعا بنسبة 7 درجات في مؤشر إدراك الفساد حسب التقرير السنوي الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية ، لذا فالقضاء على الفساد أضحى ضرورة ملحة ولعمري الاستهانة به أكبر حجر عثرة أمام تحقيق العدالة الاجتماعية ولا يمكن القضاء عليه إلا بالخطوات الاتية:
*تخليق الحياة السياسية باحداث لجن الأخلاقيات داخل الأحزاب والمؤسسات المنتخبة
*اخراج قانون الاثراء غير المشروع لحيز الوجود والمصادقة عليه وتفعيله لتعزيز منظومة النزاهة والشفافية
*الضريبة على الثروات
*ترشيد النفقات العمومية وتجفيف منابع الريع سيما الريع المقنن
*برلمان قوي قادر على تفعيل أدواره الدستورية وأخص بالذكر هنا دوره الرقابي
* تفعيل المساطر القانونية