د. محمد أشلواح يكتب: صفعة جنوب إفريقيا للنظام الجزائري و”بريكس” يقول لا مكان للتافهين بيننا
د. محمد اشلواح*
لا شك في أن سلوك جنوب افريقيا اتجاه قضية الصحراء المغربية يتسم بنوع من العدائية، ويثير الكثير من التساؤلات.. ولكن مخطئ من يعتقد بأن هذا الموقف غير قابل للتغيير، ففي العلاقات بين الدول”لا عداء دائم ولا صداقة دائمة، بل مصالح دائمة”.
إن جنوب إفريقيا التي يعدُّها النظام الجزائري “صديق أبدي” ثابث- وهذا يُعتبر في الواقع غباء “استراتجي”- بدَت غير آبهة لطلب الجزائر ولِمُبتغاها، وغير مكترثة لأي “صداقة”، فجنوب إفريقيا طبقت بشكل واضح، في تعاطيها مع النظام الجزائري، مقولة “ونستون تشرشل”( أعلاه) وارتأت، إلى جانب دول “البريكس”، أن لامصلحة في انضمام الجزائر لهذا التجمع.
كيف ذلك؟
في سنة 2001 بدأت الإرهاصات الأولى لتشكيل تجمع اقتصادي يدعى، اليوم، ب:”بريكس”، فقد عقد أول اجتماع وزاري له في 20 شتنبر سنة 2006، بدعوة من الرئيس الروسي”فلاديمير بوتين”، على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
بعد ذلك بسنتين (2008) عقد اجتماع في مدينة “ييكاترينبرغ” الروسية، ثم تبع ذلك أول مؤتمر قمة لدول المجموعة في 16 يونيو عام 2009 بنفس المدينة.
هذه المجموعة الاقتصادية، كانت تسمى بداية ب “بريك”، وفي عام 2010 بدأت جنوب إفريقيا التفاوض حول الانضمام إليها، وهو ما تم رسميا في 24 دجنبر عام 2010. فأضحَت تسمى مجموعة دول “بريكس” (BRICS)، بعد انضمام جنوب إفريقيا.
هذا التكتل يضم، اليوم، كل من البرازيل،روسيا، الهند، الصين وجنوب إفريقيا، كما أن هناك طموح لدى عدة دول من أجل الانضمام إليه، كما هو الأمر بالنسبة لإيران والمملكة العربية السعودية.. .
يتمثل الهدف المعلن عنه، من طرف الدول المؤسسة لهذا التكتل، في؛ التعاون فيما بينها ودعم السلام والأمن والتنمية الاقتصادية في العالم، ومع ذلك فالخلفية الرئيسية من وراء قيامه تتجلى في تشكيل قوة اقتصادية سياسية ضاربة..تنافسية طموحة تسعى إلى التقرير في مصير العالم أو على الأقل المساهمة في توجيهه في الوقت الحالي.
فدول “بريكس” تمثل 40 في المئة من مساحة العالم، على اعتبار أنها تضم أكبر خمس دول في العالم من حيث المساحة. وتشكل حوالي 41 في المئة من سكان العالم و24 بالمئة من الاقتصاد العالمي، و16 بالمئة من التجارة العالمية.
مجموعة “بريكس”تضم قوى اقتصادية كبيرة؛ كالصين التي تعد أكبر اقتصاديات العالم، إلى جانب الهند(تدرجها الإحصائيات كثالث اقتصاد عالمي) ثم روسيا القوية عسكريا، وتعتبر أكبر مصدر للطاقة على الصعيد الدولي.
ومن ثمة فهذا “التنظيم” قد أصبح، اليوم، منظمة تضاهي وتوازي منظمات وتجمعات أخرى، خاصة مجموعة السبع( الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان)، وكذا مجموعة العشرين.
ومع ذلك فالسياق الدولي الراهن، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، والتفاعلات المصاحبة لها..والعديد من المتغيرات الدولية الأخرى توحي بأن المنافسة ستكون أكثر شراسة بين تكتل “بريكس” الذي تقوده روسيا والصين وتكتل “السبع” الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
إن هذه الأُمنيَّة التي كان يتمناها النظام الجزائري لم تتحقق، فقد تلقى ذات النظام صفعةً قوية من “حليف” مفترض يتعلق الأمر هنا بجنوب إفريقيا
إن تجمع “بريكس” يبدو تجمعا قويا، وقد يشكل قطبا متكاملا ونافذا على الصعيد الدولي، ودون شك سيحتل مكانة مهمة فيه، خاصة وأن هذا التكتل بدأ يرسل إشارات للتمدد أكثر ليشمل دولا أخرى، مما يعني احتلال مواقع أكثر تقدما وتأثيرا على المستويات الجيوسياسية والجيوسراتيجية والجيو-اقتصادية والجيو-أمنية، ففي الحقيقة كل الإمكانيات تؤشر على قيامه بذلك، خاصة وأن دولتين/ قوتين فيه( الصين و روسيا) لهما العضوية الدائمة وحق النقض في مجلس الأمن الدولي، مما سيُمكِّن هذا التجمع من امتلاك كل الميكانيزمات التي تؤهله للتقرير في مصير العالم(مستقبلا) أو على الأقل خلق نوع من التوازن في إطار موازين القوى الراهنة في النظام الدولي.
لذلك فالانتماء لمثل هكذا تجمع لا يمكنه إلا أن يكون مفيدا و يُدر نتائج سياسية واقتصادية.. جمة، هذا-ربما- ما أسال لُعَب السيد “التبون”، محاولا انضمامه لتجمع “بريكس”، أملا في في الحصول على “مكانة” اقتصادية و “نفوذ” سياسي.. مفقود ومنعدم.
إن هذه الأُمنيَّة التي كان يتمناها النظام الجزائري لم تتحقق، فقد تلقى ذات النظام صفعةً قوية من “حليف” مفترض يتعلق الأمر هنا بجنوب إفريقيا، فهذه الأخيرة قادت رفضا بانضمام الجزائر إلى” بريكس” وإلى جانبها كل من الهند والبرازيل، فهؤلاء الثلاثة اعتبروا أن الجزائر لا تستوفي العديد من الشروط،خاصة الاقتصادية، اللازمة للانضمام إلى مجموعة “بريكس”.
إنه موقف جاء عكس توقعات “التبون”، فهذا الأخير قال في يوليوز الماضي (2022) بأن “هناك شروطا اقتصادية للالتحاق بمجموعة بريكس، أظن أنها تتوفر بنسبة كبيرة في الجزائر”. كما قال تبون إن “بريكس” تهم بلاده كونها “قوة اقتصادية وسياسية” والانضمام إليها سيبعد الجزائر التي تعتبر “رائدة في عدم الانحياز” عن “تجاذب القطبين!!.
إن قناعة “التبون” بسهولة الانضمام إلى “بريكس” يعكس مدى الأوهام التي يعيش فيها النظام الجزائري، فهذا الموقف الرافض لانضمام الجزائر إلى “بريكس” يعبر بوضوح عن عدم أهلية الجزائر للانخراط في مثل هاته التجمعات، فأغلبية الدول في هذا التجمع مقتنعة تماما بأن الاقتصاد الجزائري، الريعي، والهش، لايفيد التجمع في شيئ، بل سيصبح عبئا ثقيلا عليه، كما أن عدم الاستقرار السياسي وسيطرة العسكر على الحكم في الجزائر معطيان أساسيان جعل “بريكس” يقرر عدم انضمام مثل هذه الكيانات المتهالكة إليه، لأنها ستكون عنصر خسارة له وليس عامل ربح وتطور.
من جانب آخر فالنظام الجزائر لا يريد حتى الآن، أو بالأحرى ليست له القدرة، أن يستوعب مسألتين في غاية الأهمية:
– الأولى أن الجزائر عبارة عن قزم سياسي واقتصادي غير مؤثر لا إقليميا ولا دوليا، والدليل على ذلك الضربات والاهانات المتتالية التي يتلقاها النظام الجزائري والتي كان آخرها؛ عدم حضور القادة العرب لاجتماع الجامعة العربية، الذي انعقد في الجزائر، كذلك احتقار “رأس” النظام خلال تواجده في اجتماع “المناخ” الذي عقد مؤخرا بمصر. هذا بالاضافة إلى عدم قدرته(النظام) في إنجاح الوساطات التي قام بها أو حاول(بين الفرقاء في ليبيا، بين دول نهر النيل، في مالي، بين الفلسطينيين..)كل هذا دليل على أن كلامه غير مسموع ولا يعتدُّ به من قِبل الأطراف المعنية، وما دمنا نتحدث عن مسلسل الاهانات، لا يمكن أن ننسى الاهانات المتكررة من طرف فرنسا لذات النظام، ويستمر هذا الأمر مع كل من جنوب افريقيا والهند والبرازيل التي اعتبرت الجزائر كعضو غير مرغوب فيه بل مرفوض في إطار تجمع “البريكس”.
–الثانية أن الجزائر لا يمكن لها أن تستعيد كرامتها دون القضاء على الفساد البنيوي، الذي يجسده استيلاء العسكر على السلطة والثروة، كما أن الطموح لأن تصبح لها (الجزائر) كلمة مسموعة- مثل جيرانها في شمال إفريقيا والخليج العربي- يمر أساسا عبر بناء الذات، وهذا البناء لن يتأتى دون ديمقراطية واستقرار داخلي من جهة، ومن جهة أخرى فالأجدر للجزائر أن تبحث عن حلفاء محليين/ اقليميين أفضل لها من اللهث وراء سراب لن يتحقق لها “هنالك”!، فدون الكف عن معاداة الجيران والمساس بمصالحهم، ودون تسوية المشاكل التي راكمها النظام الجزائري مع المغرب..،لن تجد الجزائر طريقها للخلاص، ولن تجد لها سبيل لممارسة الفعل الاقليمي المؤثر، فذلك يكمن في تكتل “المغرب الكبير”، ذلك الحلم الذي لن يتحقق مادامت الجزائر يحكمها “الجنرالات” التافهين والحمقى!
*أستاذ السياسات الدولية