خالد اتخشي يكتب: لعبة الأحزاب السياسية بالمغرب
خالد اتخشي
منذ بداية التسعينات، كان المغرب يعرف غليانا كبيرا، ولعل انفجار قنابل حقوق الانسان في وجه الدولة، كان له مفعول الزيت على النار، بدأ مع انكشاف معتقل تازمامات الذي كانت الدولة تجند كل أجهزتها لتكذيبه، وهروب أبناء اوفقير من السجن الذي كشف تعامل الدولة مع أطفال لا ذنب لهم في جرائم أبيهم، ثم صدور كتاب “صديقنا الملك” الذي وضح العديد من النقاط الغامضة، وقتها أحس الراحل الحسن الثاني أن عليه مراجعة طريقة الحكم، وإنهاء فترة سنوات الجمر والرصاص فبدأ في لقاءات واستشارات مع مختلف أطياف المجتمع قصد تجاوز المرحلة، تم تلت ذلك أزمة اقتصادية في اواخر التسعينات فيما أسماه الملك الراحل بنفسه “الازمة القلبية”.
وقصد تجاوز كل ذلك، دعا الراحل الحسن الثاني رحمه الله، أشد اعدائه السياسيين، على رأسهم عبد الرحيم اليوسفي، إلى تسلم رئاسة الحكومة (الوزير الأول انذاك)، ثم كلفه بتشكيل حكومة تناوب بكل حرية، ماعدا وزارة الداخلية التي فرض فيها الملك اسم ادريس البصري على اليوسفي.
هنا، استطاعت الدولة أن تبني جسر مصالحة مع المعارضة التي كانت على حافة الانفجار، ومن تم امتصاص غضبهم وغضب الشعب عن طريق اشراكهم في السلطة، سنة بعد ذالك، شاءت الاقدار أن يرحل الملك إلى ربه، وتولي محمد بن الحسن العلوي للملك، حاملا اسم محمد السادس، والذي أكمل مسلسل المصالحة وانقاذ السياسة الوطنية عن طريق تناوب الاحزاب والتيارات على السلطة.
منذ بداية عهده، استطاع العاهل الجديد الانفتاح على مختلف الأطياف السياسية وإشراك الجميع في مشروعه نحو الانفتاح، خصوصا أشرس الحركات في بداية القرن الواحد والعشرين، بالعديد من الخطوات أولها إنشاء هيئة الانصاف والمصالحة مع ضحايا سنوات الجمر والرصاص لطي صفحة الماضي، وكذالك الاستجابة لمطالب واحد من أهم التيارات الثقافية آنذاك، وهي الحركة الثقافية الامازيغية في خطاب أجدير الذي أعلن فيه عن إنشاء مؤسسة دستورية تعمل على النهوض وتطوير الامازيغية لغة وتقافة والعمل على دسترتها وهي الخطوة التي أنهت خطاب هذه الحركة.
سنة 2003، استسلم الاشتراكيين أمام الانتخابات فظلت الساحة السياسية نوعا ما فارغة من معارضة حقيقة بعدما استطاع الملك احراق كل اوراق معارضيه، ما فتح الباب أمام القصر لاستدعاء التيكنوقراط للحكم برئاسة ادريس جطو، والتي تعتبر من افضل الفترات السياسية استقرارا في تاريخ المغرب، تم العودة بعد ذالك الى حزب المحافظين سنة 2007 عن طريق حزب الاستقلال برئاسة عباس الفاسي.
رياح الفايسبوك، والبوعزيزي فتحت باب المشاكل السياسية من جديد أمام القصر، لكن، وبكل اعتراف، ذكاء الملك محمد السادس جنّب المغرب العودة إلى السقوط في نفس أخطاء سنوات الرصاص، حيث سارع الملك الى تشكيل لجنة تعديل الدستور، وانتخابات مبكرة استطاع القصر عن طريقها اطفاء شعلتي حركة 20 فبراير والعدل والاحسان اللتان حاولتا زعزة النظام، ظنا منهنا أن تجربتي مصر وتونس ستجد أرضيتها في المغرب.
هذه الانتخابات، وكما كان متوقعا، وكما في باقي بلدان شمال افريقيا والشرق الأوسط، علم الجميع أن الاسلاميين سيركبون عليها عبر خطابهم الإخواني المدغدغ للمشاعر السطحية للشعوب الاسلامية، ففتح القصر الطريق، عبر انتخابات حرة ونزيهة، أمام عبد الاله بنكيران وحزبه العدالة والتنمية، تم خلفه عز الدين العثماني سنة 2016، ليتم احراق صورتهم وبرنامجهم عبر السنوات العشر، ولعل نتائج انتخابات 2021 كانت مقصلة خطاب الاسلام السياسي.
في انتظار سقوط الأحرار في المحطات القادمة، لابد أن القطار قادم نحو الحداثيين هذه المرة
لا يمكن القول أن الدولة تزوّر الانتخابات، أبدا، بل انها تعمل على توجيه الراي العام عبر الإعلام، ووسائل التواصل الإجتماعي، وبذلك التاثير بشكل غير مباشر على آراء الناخبين، والذين يختارون بكل حرية وديمقراطية الحزب الذي سيمثل المغاربة في الحكومة..
حزب التجمع الوطني للأحرار أخد المشعل بعد ذلك مستغلا غضب الشعب من الاسلاميين وسياستهم، لكن الحزب، كما سابقه، لا يعلم، أو يعلم ويتجاهل، أن تسلم السلطة في المغرب هو امضاء بالأسود على الأبيض على السقوط من القمة إلى الهاوية، ولعل بوادر الأمر قد بدأت في الظهور منذ أول سنة من حكم الأحرار عن طريق الترويج الى أن اخنوش هو المسؤول الأول عن ارتفاع الأسعار وخصوصا جمعه بين السلطة والمال، خصوصا في قطاع المحروقات.
في انتظار سقوط الأحرار في المحطات القادمة، لابد أن القطار قادم نحو الحداثيين هذه المرة، ولعل ما سيقع في السنوات القادمة، وقد بدأ بالفعل في بعض الجماعات التي يتراسها الأحرار، سيوضح بشكل كبير استمرار سياسة إحراق أوراق الأحزاب عن طريق تسليمهم السلطة، والتسويق على أنهم المسؤولون عن كل المشاكل وتهييج الرأي العام ضدهم، بينما، في المقابل، يتم الترويج على أن المشارع الكبرى والسياسات الكبرى هي سياسات ملكية ناجحة.