د.محمد أشلواح يكتب: فرنسا والجزائر “علاقة حب عابرة” أملتها ظروف آنية والموقف الفرنسي من قضية الصحراء في مجلس الأمن لن يتبدل
د.محمد أشلواح*
مهما ستكون مشاورات مجلس الأمن الدولي حول الصحراء المغربية والتي ستنطلق هذا اليوم(الاثنين 17 أكتوبر 2022) في إطار جلسات مغلقة، فالموقف الفرنسي تجاه ملف الصحراء لن يحدث عليه أي تغيير جذري، وذلك للإعتبارات التالية:
أولا: من الناحية السياسية والاستراتيجية:
-أن موقف فرنسا تجاه قضية الصحراء هو موقف الدولة الفرنسية الثابث، وليس فقط موقف حكومة أو حزب أو قوة معينة فرنسية، مهما كانت توجهاتها السياسية والاديولوجية والمصلحاتية.. فموقف الدولة الفرنسية، يتماشى مع القانون الدولي ومبادئه، وبالتالي في جوهره(الموقف) يساند الوحدة الترابية للمغرب ويعارض التوجهات الانفصالية للبوليساريو.
– أن موقف فرنسا من القضايا التي يكون المغرب والجزائر أطراف فيها غالبا ما يتَّصِف(الموقف) بنوع من التوازن بشكل يحاول أن يأخذ فيه مصلحة الطرفين في الاعتبار، كي لا “يغضبهما”! ويسري هذا على الأقل ظاهريا وسياسيا على التوجهات الفرنسية وتصوراتها اتجاه ملف الصحراء المغربية، وربما هذا ما يترجم سبب استمرار الغموض التي يعتري الموقف الفرنسي ويتأجل معه اعتراف فرنسا العلني بسيادة المغرب على صحرائه، فرغم إيمانها(فرنسا) بالحقوق المشروعة للمغرب على صحرائه تتحفظ على إعلان ذلك والدليل على ذلك عدم إبدائها أي تصور مغاير لما يقدمه المغرب،بل أكثر من ذلك شكلت الممارسة الفرنسية من داخل مجلس الأمن سندا تاريخيا للمغرب في ملف الصحراء، منذ عرضه على الأمم المتحدة حتى في بعض اللحظات “الحرجة” التي مر بها هذا الملف(كما هو الحال سابقا أثناء محاولة بعض الأصوات داخل الولايات.أ. م إقحام مسألة حقوق الانسان في مهام المينورسو).
– أن “حالة الشك” التي تعرفها العلاقات المغربية الفرنسية، مهما كانت أسبابها ومستويات التصعيد التي قد تسِمها، لن تصل إلى مستوى القطيعة النهائية أو درجة اللا-رجعة في العلاقات، والدليل على ذلك أن العلاقات المغربية الفرنسية سبق و أن عرفت هزَّات سابقا وعادت إلى طبعتها، دون أن يكون لذلك تأثير كبير على العلاقات الإستراتيجية بين البلدين أو أن يمس أحدهما بالثوابت الوطنية لكل بلد(المغرب وفرنسا).
لذلك يمكن القول أن “تحسُّن” العلاقات الفرنسية الجزائرية، إذا وضعناه في سياقه، في الحقيقة، لا يَعْدُو أن يكون سوى “تاكتيك” (tactique) آني لخدمة المصلحة “الطاقية-الاقتصادية الفرنسية
-أن العلاقات الفرنسية الجزائرية الراهنية تدخل في نطاق “علاقة حب عابرة” أملتها مصلحة فرنسية آنية وفرضتها ظروف وسياقات دولية صعبة، فمصلحة الحكومة الفرنسية تتمثل في ضرورة الحصول على الغاز الجزائري بسبب أزمات الطاقة التي تجتاح أوروبا الغربية نتيجة الحرب الروسية “الأوكرانية”، مما جعل “ماكرون” يخلق نوع من “التقارب” مع النظام الجزائري بما يتيحه الحصول على أكبر قدر من الغاز وبأقل تكلفة سياسية واقتصادية.. لكن هذا المعطى؛ “حاجة فرنسا للغاز الجزائري”،راهنيا، لا يمكنه:
أولا: أن يخلق تحالفا فرنسيا جزائريا ضد المغرب سواء في إطار ثنائي أو في إطار متعدد الأطراف كالأمم المتحدة.
-و ثانيا فرنسا لا يمكن أن تتنازل عن كرامتها لصالح “الابتزاز الجزائري” لتغيِّر مواقف معينة اتجاه قضايا محددة بناء على “توجيه” جزائري، فالدولة الفرنسية مستقلة في قرارها وفي سياساتها الخارجية ولا يمكن أن تقايض على حساب أمور حساسة ومصيرية مثل الوحدة الترابية للدول،كالصحراء المغربية، بسبب معطى ظرفي قابل للزوال في أية لحظة!.
لذلك يمكن القول أن “تحسُّن” العلاقات الفرنسية الجزائرية، إذا وضعناه في سياقه، في الحقيقة، لا يَعْدُو أن يكون سوى “تاكتيك” (tactique) آني لخدمة المصلحة “الطاقية-الاقتصادية الفرنسية ولا يمكنه أن يُعتبر استراتيجية بعيدة المدى و متعددة الأبعاد تكون فيها مواقف فرنسا والجزائر تتقاطع في كل شيئ وثابتة اتجاه بعضها البعض وفي كل الأوقات والظروف!.
ثانيا: من الناحية القانونية و وضع فرنسا في مجلس الأمن الدولي:
– أن فرنسا عضو في إطار مؤسسة دولية(مجلس الأمن الدولي) تصدر قرارات يفترض فيها أنها تنسجم في مضمونها ومحتواها، فهذه القرارات التي تبنى أساسا على ما يتوصل إليه الأمين العام من معطيات،
من مبعوثيه (الخاص والشخصي) بخصوص كل نزاع يتكلف به، دأبت في السنوات الأخير التأكيد على ضرورة اتباع نهج محدد لإيجاد حل لملف الصحراء، ومادامت أن المعطيات المتعلقة بملف الصحراء تفيد بأن الوضع نفسه هو الذي لايزال قائما في قضية الصحراء، بمعنى نفس الأطراف ونفس الخلفيات السياسية… فإن مجلس الأمن لن يغير من تصوره الراهن والقائم على يقِينه بأن هذا النزاع يحتاج إلى معالجة سياسية قائمة على مبادرة الحكم الذاتي، التي وصفها منذ 2007 بالجدية وذات مصداقية.
لذلك، فتقرير الأمين الذي سيقدمه إلى مجلس الأمن، باعتباره وثيقة رسمية للأمم المتحدة (يتوفر التقرير على معلومات وبيانات وإحصائيات وأرقام وتقييم لعمل بعثة المينورسو وما رصدته هذه الأخير في ولايتها التي تتجدد،غالبا، لمدة سنة)يوصي بمسألتين في غاية الأمية:
1– أن هذا النزاع يحتاج إلى تدبير سياسي، وهو ما أكد عليه التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حول الصحراء، وهذا يتماشى مع الطرح المغربي لمعالجة النزاع والمتمثل في مبادرة الحكم الذاتي.
2– أما المسألة الثانية فتتمثل في تمديد فترة ولاية المنورسو إلى غاية 31 أكتوبر 2022.
وبالتالي فقرار مجلس الأمن، المزمع التصويت عليه يوم 27 اكتوبر 2022، سيتضمن، لا محالة، هذين المعطيين الهامين، إلى جانب معطيات إجابية أخرى، ذلك، مهما كان الموقف الفرنسي. على اعتبار أن تقرير الأمين العام له دوره التوجيهي لمجلس الأمن، وإن كان غير ملزم له(لمجلس الأمن)، فهو يمارس نوع من التأثير المعنوي على أعضاء مجلس الأمن لكون الأمين العام نفسه يمارس تأثيرا سياسيا غير مباشر سواء عبر تقاريره أو عبر آرائه وكلماته أمام مجلس الأمن، و “غوتيريس” بالمناسبة ليس مع تفتيت الدول وليس ايضا مع ولادة “كيانات انفصالية مجهرية”، بل هو مع ترسيخ واحترام الوحدة الترابية للدول.
– مجلس الأمن يتخذ قراراته في المسائل “الموضوعية” حسب المادة 27 من الميثاق بالاجماع، أي أن تكون الدول الخمس الدائمة العضوية متفقة، وفي حالة اعتراض دولة على مشروع القرار أي التصويت ب”لا” فإن القرار لن يخرج إلى الوجود(الفيتو)، والممارسة الدولية لمجلس الأمن كرست قاعدة ثالثة وهي “الامتناع عن التصويت”، وهذه الحالة الأخيرة تعتبر قاعدة عرفية في حالة وقوعها يخرج القرار أيضا إلى حيز الوجود. ماذا يمكن أن يترتب عن هذه المعطيات “القانونية”و الإجرائية في علاقتها بمناقشة موضوع الصحراء والموقف الفرنسي المفترض؟
أولا: تاريخ فرنسا داخل مجلس الأمن لم يكن مطبوعا بممارسة “النقض”(كما هو الأمر مثلا لروسيا والولايات م.أ) كما أنه سجل ميله نحو التهديد باستخدامه(ولو بشكل ضمني) في حالات كادت أن تكون في غير صالح المغرب.
ثانيا: أقصى ما يمكن أن تلجأ إليه فرنسا(إرضاء للجزائر) هو الامتناع عن التصويت على شاكلة روسيا(في بعض المرات السابقة) وهذا السيناريو مستبعد(الامتناع) وإن افترضنا أنه سيحدث فهذا لن يغير في الأحداث أو في تصور مجلس الأمن لمعالجة ملف الصحراء أي شيئ.
ثالثا: رغم التطورات والأحداث الجارية، فالموقف الفرنسي لن يتغير بخصوص ملف الصحراء وهذا هو الموقف المرجح لفرنسا وبالتالي سوف تصوت على قرار مجلس الأمن القادم، قرار سيتضمن ما احتواه القرار 2602(2021)، مع إضافة أمور إيجابية في صالح المغرب كرسها الواقع في الأقاليم الجنوبية للمغرب.. أبرزها افتتاح العديد من التمثيليات القنصلية في الداخلة والعيون.
– الولايات المتحدة الأمريكية من الناحية “المسطرية” هي “صاحبة القلم” التي تعد “أرضية” القرار، و على اعتبار أنها تؤمن وتعترف بسيادة المغرب على صحرائه، فهذا الأمر سيكون له تأثير ايجابي بخصوص التصور العام أثناء إعداد مشروع القرار وأثناء التصويت أيضا، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية لها نفوذ قوي داخل مجلس الأمن الدولي، سواء على “الكتلة الغربية”،بما فيها فرنسا-خاصة في إطار المشاورات داخل مجلس الأمن وخلال النقاشات غير العلنية،-أو على الدول الأخرى الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن، وهذا سينعكس دون شك بشكل إيجابي على عملية التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بالصحراء المغربية وسيكون في صالح المغرب.
*أستاذ الدراسات السياسية والدولية