د. محمد أشلواح يكتب: استمرار ملف الصحراء المغربية ضمن جدول أعمال “اللجنة الرابعة” يُعدُّ انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة
محمد أشلواح*
انتهت أشغال مناقشات اللجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت الاسبوع الماضي (بداية أكتوبر 2022)، لمناقشة ملف الصحراء، حيث خَلُصت إلى التأكيد على أربعة أمور رئيسية غاية في الأهمية:
– دعم اللجنة للعملية السياسية، تحت الرعاية الحصرية للأمم المتحدة، من أجل التوصل لحل سياسي و واقعي وعملي ودائم لهذا النزاع. حيث تميزت مناقشات اللجنة، مرة أخرى، بالدعم القوي والمتعدد الأوجه الذي أبداه المجتمع الدولي لمقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية للمغرب، وللوحدة الترابية للمملكة.
-الإشادة بالتنمية والتقدم والازدهار الذي تشهده الأقاليم الجنوبية للمغرب على جميع الواجهات، خاصة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي.. .
– تشديد مختلف المتدخلين(ممثلي الدول، المجموعات الاقليمية،و الملتمسين) على ضرورة الاستلهام من توصيات مجلس الأمن والتي تدعو جميع الأطراف، ولا سيما الجزائر، إلى الانخراط بحسن نية في العملية السياسية، تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة، على أساس قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2007، مع التأكيد على مسؤوليتها الثابتة( الجزائر) في النزاع، باعتبارها طرفا رئيسا، ودعوتها للانخراط في مسلسل الموائد المستديرة الخاصة بملف الصحراء في إطار الأمم المتحدة.
– إدانة شديدة لميليشيا البوليساريو: فقد أكد خبراء أمام اللجنة الرابعة بأن هناك صلة ثابتة بين البوليساريو والارهاب والجريمة المنظمة، في منطقة الساحل و الصحراء وأدانوا ذلك، كما نددوا بالوضع المأساوي واللاإنساني للصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف، في جنوب غرب الجزائر. موضحين(المتدخلون) أن البعد الإنساني للنزاع الإقليمي بشأن الصحراء المغربية يبرز المسؤولية «الثابتة» للبلد الحاضن لمخيمات تندوف.
هذه نتائج مهمة تبرز الدعم القوي، والمتعدد الأوجه الذي أبداه المجتمع الدولي، لمقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية وللوحدة الترابية للمملكة، عبر منصة اللجنة الرابعة للجمعية العامة.
كما أن أن لهذه الخلاصات تأثيرها، السياسي والمعنوي، لِكَونها تسبق مناقشات مجلس الأمن الدولي حول الصحراء المقررة في هذا الشهر(17 أكتوبر الجاري/ 2022 ستبدأ المشاورات، وسيتم التصويت على قرار مجلس الأمن يوم 27 أكتوبر )قبيل نهاية الولاية الإنتدابية لبعثة الأمم المتحدة في الصحراء (مينورسو)في 31 من نفس الشهر بموجب القرار رقم 2602.
ومع ذلك يمكن أن نتساءل عن: ما علاقة اللجنة الرابعة بملف الصحراء و هل لايزال تدخلها في هذا الملف سَلِيما من الناحية القانونية؟
أولا: ماهي “اللجنة الرابعة”؟
اللجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتسمى أيضا “لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار”، تنظر في عدد واسع من القضايا التي تشمل جدول أعمال من مجالات متصلة بإنهاء الاستعمار، وآثار الإشعاع النووي، والقضايا المتصلة بالإعلام، واستعراض شامل لعمليات حفظ السلام، فضلا عن استعراض البعثات السياسية الخاصة، ووكالة الأونروا، … والتعاون الدولي في الاستخدمات السلمية للفضاء الخارجي.
تجدر الاشارة إلى أنه إلى جانب اللجنة الرابعة توجد خمس لجان أخرى رئيسة تعنى بمختلف القضايا التي تهم المجتمع الدولي وتستأثر باهتمامه، سواء فيما يتعلق بالسلم والأمن الدولين أو فيما يرتبط بالمسائل الاقتصادية والمالية…والقانونية.
تتمثل هذه اللجان في: لجنة نزع السلاح والأمن الدولي(اللجنة الأولى)،اللجنة الاقتصادية والمالية(اللجنة الثانية) و اللجنة الاجتماعية والإنسانية والثقافية( اللجنة الثالثة)،و لجنة الشؤون الإدارية وشؤون الميزانية(اللجنة الخامسة) إضافة إلى اللجنة القانونية(اللجنة السادسة).
وتأسيسا على المادة 22 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تقول أنه”للجمعية العامة أن تنشئ من الفروع الثانوية ما تراه ضروريا للقيام بوظائفها”يحق للجمعية العامة أن تخلق لجانا أخرى عندما تستدعي الحاجة ذلك.
يمثل كل دولة عضو، في الجمعية العامة، بشخص واحد في كل لجنة، ولها أن تضع مستشارين أو مستشارين تقنيين أو خبراء أو ما شابه في تلك اللجان، كما يؤكد ذلك النظام الداخلي [المادة 100].
ثانيا: أصل علاقة “اللجنة الرابعة” بملف الصحراء و استمرار هذا الأخير أمام اللجنة الرابعة يشكل خرقا للميثاق.
عُرِضت قضية الصحراء المغربية على الجمعية العامة منذ عام 1963، ومنذ ذلك الحين وهي تدرج على جدول أعمال اللجنة الرابعة و إلى حدود اليوم. بناء على ذلك يمكن أن نرصد حقيقتين أساسيتين:
1- المغرب هو الذي بادر إلى إدراج قضية الصحراء ضمن جدول أعمال اللجنة الرابعة، لاعتبار أن إسبانيا كانت تستعمر العديد من المناطق الجنوبية للمملكة، بما فيها جهة الساقية الحمراء وواد الذهب.وعلى أساس ذلك اتخذت الجمعية العامة في سنة 1965 قرارها رقم (xxi 2072) الذي يطالب إسبانيا بإنهاء استعمارها للصحراء “الغربية”.
2 -أن الفترة التي تقدم فيها المغرب إلى اللجنة الرابعة بهذه القضية أي سنة 1963، هي فترة لم يكن فيها وجود لمجموعة “البوليساريو” الانفصالية، التي لم تتأسس إلا عشر سنوات بعد ذلك بدعم وتخطيط من النظامين الجزائري والليبي..، بغرض تقويض الوحدة الترابية للمملكة.
اليوم أصبحت معالجة ملف الصحراء تتم بشكل حصري في الأمم المتحدة، وبالضبط في إطار مجلس الأمن و وفقا لمقتضيات الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة. مما يجعلنا نسجل ملاحظتين في غاية الأهمية:
–الملاحظة الأولى: بما أن الأقاليم الجنوبية للمغرب تحررت من الاستعمار الإسباني منذ سبعينات القرن العشرين، حيث انسحبت منها(الأقاليم) الدولة المستعمِرة(إسبانيا)، فإنه منذ ذلك الوقت أضحى من غير المناسب الإبقاء على ملف الصحراء المغربية في إطار لجنة تعنى ب”المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار”، فالسياق الذي عُرضت فيه قضية الصحراء على اللجنة الرابعة انتهى وليس من مبرر لاستمرار إدراجها في جدول أعمال هذه اللجنة، تحت أي طائل مهما كان، فعلى المغرب أن يعمل جاهدا لتصحيح هذا الوضع الشاذ والاستثنائي وذلك على الأقل لسببين إثنين:أولهما أن هذا المنتدى الأممي(اجتماعات اللجنة الرابعة)قد يكون مناسبة تُعطى من خلالها الفرصة لأعداء الوحدة الترابية للترويج أو لتمرير مغالطات على الدول وعلى الرأي العام الدولي.. وهذا ما حاول أن يقوم به بعض المرتزقة المحسوبين على البوليساريو في الاجتماع الأخير، بعدما تسللوا إلى مناقشات اللجنة الرابعة وتم طردهم بعد احتجاج ممثل المغرب على عدم قانونية تواجدهم في الاجتماع، وتكرر هذا المشهد خلال اجتماعات سابقة للجنة الرابعة!، وثانيهما أن البوليساريو والجزائر توظف اسم هذه اللجنة “لجنة المسائل السياسية و إنهاء الاستعمار”(لِكونها تتضمن تعبير “إنهاء الاستعمار”) لضرب الوحدة الترابية للمغرب، فبعض الجهات التي ليس لها اطِّلاع بهذا الموضوع قد تعتقد من خلال اسم اللجنة أن الأمر يتعلق “فعلا” ب”إنها الاستعمار”، فهذا المعطى الشكلي(اسم اللجنة) هو ما تعتمده البوليساريو والجزائر في محاولة منهما لإثبات أن قضية الصحراء المغربية تعالج في إطار “إنهاء الاستعمار”!!.
– الملاحظة الثانية: أن مجلس الأمن الدولي باشَر التداول في قضية الصحراء منذ سنة 1988 وهذا من الناحية القانونية يجب أن يترتب عنه، بحسب ميثاق الأمم المتحدة، أن تتخلى اللجنة الرابعة بشكل أتوماتيكي عن موضوع الصحراء المغربية، وترفع يدها عنه، لِكَون المادة 12 من ميثاق الأمم تؤكد على هذه القاعدة بالقول”عندما يباشر مجلس الأمن، بصدد نزاع أو موقف ما، الوظائف التي رسمت في الميثاق، فليس للجمعية العامة أن تقدّم أية توصية في شأن هذا النزاع أو الموقف إلاّ إذا طلب ذلك منها مجلس الأمن”.
فإن صفته هاته (جهاز رئيسي) تجعل من مجلس الأمن الدولي المسؤول الأول عن حفظ السلم والأمن الدوليين قَبْل أي جهاز آخر رئيسي أو ثانوي/فرعي.
لذلك فبقاء قضية الصحراء في جدول أعمال اللجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة يعدُّ أمر غير سليم وذلك ما تظهره النقاط التالية:
+التداول المزدوج لنفس القضية من جهازين، تابعين للأمم المتحدة وفي نفس الآن قد يتسبب في قرارات متناقضة في موضوع واحد ومن نفس الهيئة( منظمة الأمم المتحدة)، لذلك فاستمرار قضية الصحراء أمام اللجنة الرابعة كموضوع “نقاش” و”قرار”، يُعَدُّ في الواقع انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة، خاصة في يتعلق بمادته الثانية عشرة (المادة 12 من الفصل الرابع).
+ بما أن المادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة تعتبر مجلس الأمن جهازا رئيسيا، إلى جانب خمسة أجهزة أخرى، التي خول لها الميثاق إمكانية إنشاء فروع ثانوية..كاللجان الدائمة أو المؤقتة، فإن صفته هاته (جهاز رئيسي) تجعل من مجلس الأمن الدولي المسؤول الأول عن حفظ السلم والأمن الدوليين قَبْل أي جهاز آخر رئيسي أو ثانوي/فرعي.
فميثاق الأمم المتحدة خوَّل لهذا المجلس سلطات وصلاحيات وأولوية في تناول القضايا المرتبطة بالأمن والسلم الدوليين، باعتباره(مجلس الأمن) يعمل”نائبا” عن الدول، كما ذهبت إلى ذلك المادة 24 من الميثاق والتي تقول”..يعهد أعضاء هيئة الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدولي ويوافقون على أن هذا المجلس يعمل نائباً عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات”، وعليه، بالاضافة إلى ما تنص عليه للمادة 12، فمجلس الأمن له الأسبقية في تناول قضية الصحراء وما دامت تُبَاشَر أمامه فليس من حق أي جهاز آخر أن يصدر بخصوصها أي قرار أو توصية.
+اللجنة الرابعة تتداول في قضايا محددة وعلى سبيل الحصر، بينما مجلس الأمن له الولاية العامة في يخص قضايا السلم والأمن الدوليين، فمجلس الأمن الدولي، ولأنه يتمتع بسلطة وصلاحية تكيِّيف المواقف والوضعيات، و منذ توليه معالجة موضوع الصحراء تيقَّن بما لايدع مجالا للشك(بناء على الوثائق القانونية والتاريخية والجغرافية والعديد من الأدلة المقدمة في هذا الشأن، إلى جانب الترافع المغربي في هذا الموضوع، إضافة إلى تقارير الأمين العام ومبعوثه الشخصي وبعثة المينورسو..) بأن ملف الصحراء ليس بقضية تصفية الاستعمار بل هو مشكل مفتعل يروم المساس بالوحدة الترابية للمغرب، وهذا ما جعل مجلس الأمن يعتبره “نزاعا”، ولا يَعُدُّه شيئا آخر، وقرَّر -بعد اقتناعه بفشل مختلف الحلول الأخرى- معالجته وفق مقاربة سياسية تتأسس على مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب منذ 2007 والتي وصفها في كل قراراته المتتالية(منذ هذا التاريخ2007) بأنها “..جدية وواقعية وتتمتع بالمصداقة..” لتدبير هذه النزاع وحله بشكل نهائي.
وعليه، بالرغم من كون الأشغال والمناقشات التي تمَّت مؤخرا في اللجنة الرابعة كانت في صالح المغرب وتدعم بشكل قوي موقفه و وحدته الترابية وتعري النظام الجزائري وتكشف زيف أطروحات البوليساريو وضعف موقفها..، بالرغم من ذلك على المغرب أن يعمل ما بوسعه من أجعل أن تقوم الأمم المتحدة بتصحيح هذا الوضع غير السليم والمتمثل في استمرار إدراج ملف الصحراء في جدول أعمال اللجنة الرابعة للجمعية العامة المسماة “لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار”.
*أستاذ الدراسات السياسية والدولية