من هنا يبدأ الخبر

البدالي صافي الدين يكتب… البناء العشوائي أسبابه وتداعياته 

البدالي صافي الدين

لا أحد من العارفين يجادل في خطورة البناء العشوائي وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فما هي أسباب انتشار البناء العشوائي في سائر المدن المغربية ؟ وما هي انعكاساته على التنمية ؟ ولماذا فشلت الحكومات المغربية المتعاقبة في القضاء عليه رغم الشعارات التي رفعتها منذ 2004 كشعار” مدن بدون صفيح.؟”

للإجابة على هذه الأسئلة لابد أولا من استحضار الأسباب و السياق الذي ظهر فيه البناء العشوائي في البلاد و ثانيا الاستغلال السياسي و الاجتماعي لهذه الظاهرة .

أولا السياق العام: بعد عملية احتلال المغرب من طرف الدولتين فرنسا و اسبانيا فقد عديدون من المزارعين  القرويين أراضيهم من طرف المستعمرين، أراضي زراعية تقدر ب 762.380 هكتارا، تم بترها كرها وتعسفا من أراضي قبائل السراغنة و الرحامنة و فاس والمغرب الشرقي ومكناس وأحواز مراكش، مما تسبب في الهجرة إلى هذه المدن بحثا عن شغل وفي مقدمتهن مدن الدار البيضاء والقنيطرة والمحمدية والرباط ومراكش الخ .. . فلجأ المهاجرون الى الاستقرار في هوامشها في أحياء من البراريك تنعدم فيها شروط الحياة الكريمة ويتعرض أهلها الى كل أنواع الاستغلال في مجال الشغل والخدمات التي توفرها هذه المدن. 

لكن بعد الاستقلال ظل الوضع على ماهو عليه بل ازداد تفاقما أمام صعوبة الحصول على سكن لائق بالمدينة رغم محاولة الحكومات المتعاقبة خاصة بعد اجهاض برنامج حكومة عبد الله ابراهيم في مجال السكن من خلال إنشاء  صندوق  للسكن، أخذ البناء العشوائي يتسع ويمتد إلى داخل المدن و أصبح مجالا للاغتناء غير المشروع، حيث برزت لوبيات من أعوان السلطة ومن مستشارين جماعيين ومن مضاربين عقاريين وسماسرة يساعدون على البناء العشوائي بتسهيل عملية البناء و خرق قانون التعمير مما تسبب في هدر المال العام من خلال البرامج المتعاقبة للسكن الاجتماعي على شكل عمارات من شقق لاتستجيب للمتطلبات الاجتماعية والبيئية، فهي عبارة عن أقفاص مغلقة بل هي نوع من البناء العشوائي، لأنه يفتقر إلى الشروط و المواصفات  العمرانية ، و استفادت من هذا البرنامج شركات راكمت أموالا طائلة على حساب الجودة في البناء و الاتقان. 

و قد تمت عملية تفكيك بعض الأحياء من البراريك، والبناء العشوائي وسط المدن وترحيل أهلها إلى هذه العمارات مع تأدية مبالغ مالية للحصول على شقة من هذا النوع، مساحتها   50 مترا مربعا على الاقل و80 مترا مربعا على الأكثر، ويحدد ثمن الشقة في 250 ألف درهم دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة. 

 ثانيا : البناء العشوائي و الاستغلال السياسي :  

كما هو الشأن بالنسبة لعدد من من البرامج والمخططات التي أطلقتها الحكومات المتعاقبة، لم تتحقق أهداف البرنامج الوطني “مدن بدون صفيح”، والقضاء على أحياء الصفيح و البنايات العشوائية التي تحاصر المدن و المراكز ، بل أن “البراريك” و الدواوير العشوائية تكاترت و بعضها  لا تزال قائمة إلى اليوم وسط المدن الكبرى، وفشلت أيضا الحكومات المتعاقبة في الحد من تفريخ السكن العشوائي، مما تسبب في تعطيل التنمية المستدامة في البلاد. 

إن هذه الظاهرة مردها الى الارتشاء من جهة وغياب  تخطيط عمراني مندمج وانعدام المخططات المديرية للمدن والمراكز والقرى من جهة ثانية حتى أصبحت الأحياء العشوائية تشكل كتلة سكانية عند الطلب في الاستفتاءات والانتخابات الجماعية او البرلمانية للتحكم في النتائج من طرف النظام السياسي وأيضا تشكل كتلة تبيع الأصوات مما جعل عددا من رؤساء الجماعات الترابية يغضون الطرف على هذه الظاهرة و يسعون الى توسيعها في إطار مخطط  الداخلية منذ الثمانينات الرامي الى ترييف المدن من أجل القضاء على النخبة المثقفة و الطبقة الواعية و جعلها تتراجع الى أقلية تتساقط في كل الانتخابات أمام دوي السوابق أو لوبيات الفساد. 

إن هذه المظاهر هي من أسباب فشل أي مخطط تنموي وإرساء دولة الحق والقانون. 

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط