عبد السلام شركوك يكتب: ليس دفاعا عن الحكومة ولكن..!
عبد السلام شركوك
من السهل على أصحاب الأحكام الجاهزة، الصادرة من التصورات الفردية المبنية على العوامل الثقافية والعاطفية والإيديولوجية والأفكار المسبقة اتخاذ حكم القيمة بمجرد قراءتهم لهذا العنوان ونظيره.
فدرءا لضياع الوقت و الجهد، فهذا المقال غير موجه لهم، وغايته مخاطبة ذوي الألباب الحكيمة والنظر السديد.
وحتى لا يعتقد البعض أو يلقي التهم على عوانها جزافا، فكاتب هذه السطور ليس ناطقا رسميا لحكومة السيد عزيز أخنوش، وليس محاميا موكلا للدفاع عنها، إلا أن العلة أو مبعث هذه الأسطر، هي محاولة المساهمة في “النقاش العمومي” الجاري عبر وسائط التواصل الاجتماعي في التفاعل مع التدبير الحكومي، بوجهة نظر تعاكس رغبات تنميط العقل الجمعي للمغاربة، إذ هذه الظاهرة النفسية التي تتمدد في زمننا هذا، يفترض حولها بعض الناس، أن تصرفات الجماعة في حالة معينة تعكس سلوكا صحيحا.
ومن المعلوم في النقد الموضوعي للعمل الحكومي، أن ينبني عند صدور قرارات أو سياسات عمومية عن الحكومة، وقد تكون قرارات شاردة لا مصلحة للبلاد فيها، فضلا عن غياب المنطق أو الخيط الناظم لها.
لا يختلف اثنان، و من أي موقع كان، أن هذه الحكومة جاءت في سياق سياسي وطني صعب، و اقتصادي عالمي يعرف تضخماً غير مسبوق في الثلاثة عقود الأخيرة لعدة اسباب يعلمها القاصي والداني، ولا يخفى على كل من اتصف بالنظر السديد، أن المواطن المغربي (ومنهم عبد ربه) يعاني الويلات و الأزمات جراء هذا الارتفاع الفاحش في أسعار جل المواد الأساسية.
إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق: ماذا بوسع الحكومة أن تقرر؟ وما عساها أن تفعل؟ سؤال قد لا نجد له جوابا في خضم ما يتعرض له اقتصاد بلادنا من تحديات واكراهات وأزمات وصعوبات..
الثابت في المُرَاد من المسؤول السياسي في أي موقع تدبيري كان، هو تحقيق التوازن بين ما هو مطلوب منه، وما يمكن إعماله وفق الممكن، لهذا سميت السياسة بفن الممكن.
ويبدو من الوهلة الأولى في قراءة حجم الانتقاد الموجه لهذه الحكومة التي لم تكمل بعد سنتها الأولى، أن هناك جهات خفية معادية لديمقراطيتنا الوطنية الناشئة (بعلاتها)، والمؤسسات الدستورية، كما يُعْرَف عن هذه الجهات العدمية بث السموم، وغايتها في التحامل على الحكومة تصفية حساباتها مع الدولة أساسا، فحتى أحزاب المعارضة وبالأخص حزبي العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ورغم موقعهما المعارض، إلا أنهما ما فتئا يؤكدان على أهمية استمرار الحكومة، ايمانا منهما بأهمية استقرار الحكومة ومدى انعكاس ذلك على ثبات الدولة بعناصرها (الشعب، السيادة، الاستمرارية السياسية)، وهذا ليس بغريب عن حزبين خبرا قيادة الحكومات، ودفة العمل الحكومي، وما يعني ذلك، وهي فرصة لتحية كل الأصوات المسؤولة رغم أنه في مثل هذه الظروف يختبئ الجبناء، ويركب موجة الشعبوية الضعفاء، إلا أن المحزن في هذا السياق المتحامل على الحكومة والذي نبع اساسا من الجهات الخفية التي ذكرتها سلفا، أنهم نجحوا في الاندساس مع شرفاء وشريفات الوطن، الذين ينتقدون الحكومة بحسن نية، هؤلاء ممن قصرت معهم الحكومة في التواصل وهذا ما نسجله عليها.
ثمة جمرا تحت الرماد بسبب الاحتقان الاجتماعي، يُخشى اشتعاله بين لحظة وأخرى، رغم أن هذه الحكومة قامت بجهود كبيرة للحفاظ على أسعار عدد من المواد الأساسية لتفادي ارتفاع أثمانها على المواطن، من بينها الحفاظ على أسعار غاز البوتان (عدم دعم الغاز سيجعل القنينة تصل إلى 140 درهما بدلا من 40 درهما، ما سيرهق الأسر وكذلك ستعرف خدمات الأكل الشعبي ارتفاع مهولا فيها)، والدقيق (بفضله لازال الخبز الشعبي في مستواه)، والماء الصالح للشرب والكهرباء (رغم ندرة الأول بسبب الجفاف وارتفاع تكلفة الثاني بسبب غلاء الغاز والسولار)، ناهيك عن دعم ارباب النقل العمومي وشاحنات نقل البضائع من أجل استقرار اثمنة تنقل المغاربة وأسعار نقل وشحن البضائع، هذا دون ذكر بعض الأوراش الاجتماعية التي تم البدء فيها مثل ورش تعميم الحماية الاجتماعية، والتفكير في اخراج الدعم المباشر للأسر المعوزة لحيز الوجود.
ومع ذلك، فهذا لا يعفي الحكومة من تحمل مسؤولياتها أمام الأزمات والصعاب، رغم ان جزءا مهما من الشعب المغربي لازال يثق فيها، ولا أدل على ذلك من نتائج الانتخابات الجزئية بكل من الحسيمة ومكناس بصرف النظر عن ما قد يقال على خصوصية الانتخابات الجزئية، فإن هذه الشريحة العريضة الداعمة للحكومة، لا تريدها حكومة عاجزة عن تحقيق المطلوب منها، لا قدرة لها على الإنجاز. وبهذا ليس مقبولا أن تكون غير قادرة على الخروج من الأزمة.
ظني والله أعلم، أن هذه الحكومة ستنجح بحوله، ولن تذخر جهدا ولا عملا في سبيل تحقيق شعارها: “تأسيس الدولة الاجتماية”، لا لشيء في تقديري، إلا لأنها تعلم أنه لما تفضل جلالة الملك و عينها، لم يعطيها شيكا على بياض، فليس هناك من هو أقرب لنبض الشارع ويتفاعل معه أكثر من جلالته.. !
من يقرأ بعض وسائط الاعلام الافتراضي، سيعتقد ان هذه الحكومة هي المسؤولة عن كل أزمات المغرب منذ الاستقلال، ولا أمل يرجى منها، علما وأن في هذه الحكومة على سبيل المثال وزيرا عالج ملفا اجتماعيا حارقا، ظل يراوح مكاتب وزراء الشبيبة والرياضة الذين تعاقبوا منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، وأقصد هنا الوزير “البامي” منتوج حزب الأصالة والمعاصرة الخالص، محمد مهدي بنسعيد الذي أغلق ملف الأطر المساعدة الذين كانوا يتقاضون ما قيمته 1080 درهما سنويا، اي ما يعني 90 درهما شهريا منذ سنة 1977، ويتعلق الأمر بأزيد من 2000 إطار مساعد يشتغلون بدور الشباب ومراكز الأندية النسوية ومؤسسات رياض الأطفال (قطاع الشباب الذي يتحمل حقيبته)، وهذا الملف لوحده يكفيه لطيلة ولايته، ان تم القياس بحساب الزعيم النقابي الراحل نوبير الأموي الذي جاء على لسان رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران في إحدى خرجاته الإعلامية.
الحكومة بحاجة لحوار بناء وهادف، وانتقاد موضوعي قائم على الحقيقة والصواب، ينبني على استحضار المصلحة العليا للوطن، وليس المصالح السياسوية الضيقة.