البدالي صافي الدين يكتب… الغش المدرسي وخطورته على مستقبل البلاد
البدالي صافي الدين
على إثر الامتحانات الإشهادية برسم السنة الدراسية 2021 / 2022 ظهرت سلوكيات تضرب مصداقية المدرسة المغربية في العمق و تكشف عن فشلها في التدبير الجيد للشؤون التعليمية/ التعلمية وذلك بعد شيوع ظاهرة الغش في الامتحانات الإشهادية في نهاية الموسم الدراسي الحالي. و أكدت مصادر أمنية رسمية ” أنه تم ضبط مئات حالات غش حيث أسفرت العمليات الأمنية التي باشرتها مصالح المديرية العامة للأمن الوطني لزجر أعمال الغش في الإمتحانات الجهوية و الوطنية الموحدة للبكالوريا، برسم الموسم الدراسي 2021-2022، عن ضبط 573 شخصا على الصعيد الوطني، من بينهم 468 مشتبها فيه من أجل ارتكاب أعمال الغش، والباقون يشتبه في تورطهم في قضايا تتعلق بحيازة وترويج معدات معلوماتية تستعمل لأغراض الغش المدرسي ونشر محتويات رقمية على الإنترنت مرتبطة بعملية الغش في الامتحانات “، هذا ما وقفت عليه المصالح الامنية في هذا الباب، لكن هناك حالات من الغش أخرى متفرقة على الصعيد الوطني باستعمال “النقلة”، ولكن الغريب هو تصريحات تلاميذ من الممتحنين لبعض قنوات التواصل بأنهم منعوا من” النقيل” و أن الحراسة كانت مشددة ومن بينهم من صرح بأنه تمكن من ” النقيل ” و أضاف “عاشت النقلة ” و صرحت بعض أمهات الممتحنين بأن المسؤولين حرموا اولادنا من “النقيل” و “صعبو عليهم الامتحان”
إن الشيء المقلق من هذه الممارسات اللاتربوية و التعليمية هو أن تتحول هذه السلوكات إلى حقوق لدى التلاميذ وهو ما يشكل تخوفات عميقة بالنسبة لمستقبل المدرسة العمومية و الخصوصية بشكل عام، إنها مظاهر لا يجب اعتبارها مجرد أخطاء عابرة وسوف يتم التغلب عليها بتطوير الإجراءات الرقابية ومضاعفة العقوبات في حق المتورطين في عملية الغش، فالأمر ليس بالبسيط الى هذه الدرجة، ذلك بأنها مظاهر لها أسباب اجتماعية وسياسية ودوافع تربوية وتعليمية تعلمية.
أولا الأسباب الاجتماعية :
فهي ما أصبح يعرفه المجتمع المغربي من مظاهر الغش في الحياة العامة، الاقتصادية والاجتماعية، وما يعرفه من تزوير لتحقيق المبتغى والوصول الى المراتب العليا في المجتمع، مراتب سياسية أو مهنية.
فالتلميذ يعيش في محيط تتفشى فيه مظاهر الغش والتزوير، حيث الانتخابات تعرف التزوير والغش و الرشوة وشراء الذمم و الكذب من أجل السلطة التشريعية أو التنفيذية وهو يعيش التزوير من أجل الحصول على شواهد عليا في الكليات وفي الجامعات بل ويشهد على أن الغش يسود الامتحانات المهنية في أوساط الكبار، والغش من أجل الوصول إلى المناصب العليا، بل حتى الجامعات والكليات أصبحت تعرف كل أنواع الغش و المحسوبية و الزبونية وفضائح لاأخلاقية. فالتلميذ أينما اتجه في المجتمع يلاحظ الغش و كأنه أصبح شرعيا.
ثانيا الدوافع التعلمية / التعليمية:
فهي من الأسباب الكبرى التي تدفع تلاميذ (ت) إلى الغش في الامتحانات بشكل عام.لأن المدرسة لم تعد قادرة على تأهيل التلميذ ليكون قادرا على الاستجابة للمطالب المعرفية و على اكتساب المهارات و القدرات الفكرية حتى يكون ذلك التلميذ الباحث والمبدع والمسؤول على تعليمة وتعلمه. فالمدرسة الفاشلة هي التي تزرع في نفوس التلاميذ أسباب الفشل و اليأس، حينما تتحول إلى مؤسسة التعليمات التربوية و تحويل التلميذ الى وعاء معلومات من القواعد و من المعارف دون المشاركة في بنائها و استعمالها في وضعيات مختلفة كانت علمية أو أدبية ، فيكون سلبيا في تعاطيه مع البرامج المسطرة و سلبيا حتى في حياته التعليمية، أما المجتمع فإنه ظل في موقف المتردد بين المدرسة العمومية و المدرسة الخصوصية، لكن الأغلبية من الناس الميسورين اختاروا المدرسة الخصوصية رغم التكاليف، بحثا عن تعليم جيد وهو ما لم يتحقق في غالب الأحيان، لأن هذه المدارس هي الأخرى تعمل على عملية ” الشحن ” و لا تخلو من الغش في الامتحانات الاشهادية و حتى في المراقبة المستمرة.
إن الغش المدرسي لا يمكن التصدي له بالأساليب المعتادة بل يجب مراجعة المنظومة المدرسية حتى تكون مدرسة منتجة للقيم و لبناء المعارف و المهارات و تطوير القدرات ، و ايضا لتكون من التلميذ وإليه وليست عليه ،و لتكون المدرسة العلمية و العملية و المدرسة ذات القيم الإنسانية و الأخلاقية و الاجتماعية و الثقافية ،وليست مدرسة تمرير مفاهيم وتعليمات وإكراهات وتناحر بين التلميذ والأستاذ، و إنه بالموازات مع ذلك يجب تطهير المجتمع من عوامل الغش و التزوير و و إرساء قواعد تخليق الحياة العامة.