أمين سامي يكتب: الممارسة التطوعية وإشكالية الفعل الاستراتيجي
أمين سامي
*خبير في التخطيط الاستراتيجي للمنظمات غير الحكومية
إن العمل التطوعي في الوطن العربي هو عمل حديث النشأة و الظهور ، وقد عرف تطورا ملحوظا سواء على مستوى الكم أو على مستوى الكيف إلا أنه تعتريه أربعة إشكالات كبرى وهي : إشكال الكم و الكيف ، إشكال البحث عن مصادر تمويل جديدة ، إشكال استدامة المتطوعين داخل المنظمات التطوعية وأخيرا إشكال غياب الفعل الاستراتيجي في الممارسة التطوعية.
إن الممارسة التطوعية في الوطن العربي تعرف و ستعرف تحديات كبيرة خاصة في ظل أزمة كورونا فيروس ، ونحن اليوم نعيش على مشارف الثورة الصناعية الرابعة التي ترتكز على BIG DATA و الأمن السيبراني ، و البيولوجيا الحيوية و انترنيت الأشياء ، …. وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه فكيف يمكن لنا كمنظمات تطوعية في الوطن العربي أن نساهم بشكل فعال مع حكوماتنا لمواجهة تداعيات كورونا فيروس و تحديات الثورة الصناعية الرابعة و المساهمة في خلق الثروة المادية و تثمين الموروث اللامادي من أجل تجاوز براثين الممارسة العشوائية للعمل التطوعي التي لا تصب في الفعل الاستراتيجي.
إن نشأة وتطور مفهوم العمل التطوعي جديد في الوطن العربي مقارنة مع الدول التي نشأ فيها المفهوم و تطور حتى أصبح ثقافة راسخة لدى المجتمع، وبالتالي فالممارسة التطوعية في الوطن العربي تختلف عن مثيلاتها في دول الاتحاد الأوروبي أو في أمريكا أو آسيا من حيث مجالات التدخل ومن حيث جنس المتطوعين ،
ومن حيث الفئات العمرية الأكثر مساهمة و النشطة في هذا المجال، و من حيث الإستراتيجية المتبعة في هذا القطاع و كيفية تنزيل الفعل الاستراتيجي لجعل قطاع المنظمات غير الحكومية قطاع منتج و مساهم في خلق الثروة. وبالتالي وجب الحديث عن أهم الإشكالات التي تعاني منها منظومة العمل التطوعي بالوطن العربي ، و ما هي السبل التي يجب على هاته المنظمات و أيضا الحكومات القيام بها لتطوير منظومة القطاع الثالث ؟ و ماهي الدروس المستقاة من أزمة كورونا فيروس التي يجب على المنظمات التي تعمل في المجال التطوعي الانتباه إليها مستقبلا و الإعداد لها من أجل مواجهة الأزمات القادمة سواء كانت أزمات طبيعية أم أزمات من صنع البشر؟
إن الإشكال الحقيقي الذي تعاني منه الممارسة التطوعية بالوطن العربي هو غياب البعد الاستراتيجي في الممارسة التطوعية الذي تعاني منه نسبة كبيرة من المنظمات التطوعية ، فبالرجوع إلى تقرير حالة التطوع لعام 2018 المعنون ب ” الرابط الذي يجمعنا وقدرة المجتمعات المحلية على الصمود ” المنجز من طرف برنامج الأمم المتحدة للمتطوعين يبين من خلال تشخيص الوضعية من خلال 03 مؤشرات كالآتي :
1. تقديرات التطوع حسب المنطقة و البلد
2. تقديرات التطوع حسب رسمي / غير رسمي
3. تقديرات التطوع حسب النوع الاجتماعي
بالنسبة للتطوع حسب المنطقة و البلد :
يبلغ تقدير العمل التطوعي على مستوى العالم في 2018 القوى العاملة في التطوع الرسمي و غير الرسمي على الصعيد العالمي ما يقارب 109 مليون عامل بدوام كامل ، وبالتالي إذا شكل هؤلاء المتطوعون بداوم كامل بلدا ما فستحتل قوة التطوع المرتبة الخامسة عالميا ضمن أكبر القوى العاملة في العالم . و هذا يظهر جليا من خلال الإحصائيات التالية :
الصين : 775 مليون عامل
الهند : 374 مليون عامل
الولايات المتحدة الأمريكية : 149 مليون عامل
أندونيسيا : 115 مليون عامل
القوى العاملة المتطوعة : 109 مليون عامل
وبالتالي تشكل القوى العاملة المتطوعة مصدرا مهما للعمل و الانتاجية و خلق القيمة المضافة . أما على المستوى العربي فتحتل الدول العربية المرتبة الأخيرة من حيث إجمالي القوى العاملة المتطوعة بدوام كامل حيث وصل عدد المتطوعين إلى 8.9 مليون متطوع و متطوعة بالمقارنة احتلت أوروبا و آسيا الوسطى الصادرة بما مجموعه 29.2 مليون متطوع ، تليها آسيا و المحيط الهادي ب 28.7 مليون متطوع ثم أمريكا الشمالية ب 20.7 مليون متطوع ثم افريقيا ب 12.1 مليون متطوع و ما قبل الاخير أمريكا اللاتينية و منطقة الكاريبي ب 9.4 مليون متطوع. فمن خلال هاته الإحصائيات يتضح أن ثقافة العمل التطوعي متجذرة ومترسخة في الدول و المناطق التي تعرف نسب أكبر و هذا راجع لإيمانها بأن العمل التطوعي هو ركيزة من ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يجب الانخراط فيها بشكل ايجابي لتطوير المجتمع ، وراجع أيضا إلى تدريس العمل التطوعي في المقررات و البرامج الدراسية التي تعزز من فعل التطوع داخل المجتمع.
إن البيانات العالمية حول العمل التطوعي تبرز بوضوح وجود تباينات إقليمية في معدلات المشاركة التطوعية وفي نصيب العمل التطوعي الرسمي / غير الرسمي وبالتالي هذا النقص النسبي في البيانات حول الممارسة التطوعية يختلف حسب المناطق و البلدان الأقل دخلا و الأكثر دخلا و هذا يحيلنا على إعادة النظر في الممارسة التطوعية وجعلها مقوما من مقومات خلق الثروة . وبالتالي هذا يدفعنا إلى التفكير بشكل جدي كيف يمكننا الانتقال من الممارسة التطوعية العشوائية إلى الممارسة التطوعية الاحترافية المنتجة للثروة و للقيمة المضافة ؟
بالنسبة للتطوع رسمي / غير رسمي
أما على مستوى التطوع رسمي / غير رسمي فقد كانت النتيجة صادمة حيث يتبين أن 70% من القوى العاملة في مجال التطوع تطوعوا بشكل غير رسمي في حين أن 30% من القوى العاملة في مجال التطوع تطوعوا بشكل رسمي سواء لدى منظمات أو مؤسسات تطوعية. وبالتالي يلاحظ وجود تباين و اختلاف بين التطوع الرسمي و التطوع غير الرسمي في عدد من المناطق و البلدان كما يلي :
بالنسبة للتطوع الرسمي :
تحتل أمريكا الشمالية الرتبة 1 في التطوع الرسمي بنسبة 38.7% في حين تحتل الدول العربية وإفريقيا مؤخرة الترتيب بنسبة 17.1% للدول العربية و13.1% بالنسبة لأفريقيا. وهذا يدل على غياب ثقافة التطوع داخل المؤسسات التطوعية و عدم استدامة المتطوعين داخلها وضعف و محدودية المؤسسات التطوعية في هاته المناطق في استقطاب متطوعين مؤمنين بقيمها و رسالتها ورؤيتها و هذا يحيلنا إلى طرح تساؤل جوهري هل المؤسسات التطوعية في البلدان العربية و إفريقيا تتوفر على ثقافة تنظيمية واضحة وتتوفر على بنية تحتية تنظيمية قوية قادرة على استقطاب متطوعين رسميين يعملون لصالح المؤسسة و يدافعون عن قضاياها و توجهاتها ؟ هل المؤسسات التطوعية في البلدان العربية وإفريقيا تستحضر البعد التطوعي كبعد استراتيجي حيوي من أجل استمرارية وديمومة المؤسسة التطوعية وقيامها بالأدوار المنوطة بها ؟ هل الأزمة صراحة هي أزمة تطوع وتواصل و إقناع متطوعين و استقطابهم للتطوع بشكل رسمي ، أم الأزمة هي أزمة ثقة في هاته المؤسسات التطوعية ؟
بالنسبة للتطوع غير الرسمي :
بالمقابل نجد أن الإقبال على التطوع غير الرسمي يتجاوز التطوع الرسمي حيث نجد أن إفريقيا و الدول العربية تحتل صدارة الترتيب بنسبة 86.9% لإفريقيا و 82.9% للدول العربية . وهذا يوضح جليا أن الأزمة هي أزمة ثقة في المؤسسات التطوعية وبالتالي غياب البعد الاستراتيجي في الممارسة التطوعية مما يشكل عائقا أمام التطوع الرسمي من التقدم والتطور ، و بالرجوع إلى الإحصائيات حول التطوع غير الرسمي نجد أن نسبة التطوع غير الرسمي في المناطق جاءت على الشكل التالي :
1. آسيا و المحيط الهادي : 61.8%
2. أوروبا و آسيا الوسطى : 73.3%
3. الدول العربية : 82.9%
4. إفريقيا : 86.9%
5. أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي : 67.5%
6. أمريكا الشمالية : 61.3%
وبالتالي فمن خلال هاته الإحصائيات يتضح أن البلدان ذات الدخل المرتفع تميل إلى التركيز بشكل كبير على المنظمات التطوعية الرسمية من أجل حشد المتطوعين و توفير فرص أكبر للمشاركة.
بالنسبة للتطوع حسب النوع الاجتماعي
أما على مستوى النوع الاجتماعي ، فيلاحظ استحواذ النساء بنسبة 57% من العمل التطوعي على مستوى العالم بالمقابل يحتل الرجال نسبة 43% ، أما على مستوى التطوع الرسمي بين الرجال و النساء فهو جد متقارب ويتوزع توزيعا متساويا تقريبا 51% بالنسبة للنساء و 49% بالنسبة للرجال ، مما ينهي الاعتقاد السائد في التطوع الرسمي لدى المنظمات استحواذ النساء على الرجال في التطوع الرسمي . بالمقابل تبلغ نسبة النساء في التطوع غير الرسمي نسبة 59% مقابل 41% بالنسبة للرجال وهذا يوضح أن النساء تحتل مكانة مهمة و تحتل الجزء الأكبر من العمل التطوعي غير الرسمي.
أما على المستوى الإقليمي فهناك تباين واسع بين المناطق على مستوى مشاركة النساء و الرجال في المجال التطوعي ، حيث تحتل النساء في أمريكا اللاتينية و منطقة البحر الكاريبي نسبة 67% من العمل التطوعي بالمقابل تحتل منطقة آسيا و المحيط الهادي أدنى نسبة بمعدل 49.2% ، أما على المستوى العربي فتحتل الدول العربية الرتبة الثالثة من حيث تطوع النساء بمعدل 56.6% أي ما مجموعه 5 مليون متطوعة في حين احتل الرجال في المنطقة العربية نسبة 43.4% أي ما مجموعه 3.9 مليون متطوع وبالتالي يتضح من خلال هاته الإحصائيات أن إقبال النساء على التطوع أكثر من الرجال سواء في التطوع الرسمي أو غير الرسمي مرده إلى حالات عدم المساواة و عدم الإنصاف التي تواجهها النساء من الناحية الاجتماعية والاقتصادية و السياسية ولهذا نجد هذه الفئة هي الأكثر تطوعا .
ولكي يكون التطوع فعالا و منتجا يجب أن يكون فعلا استراتيجيا ، وبالتالي وجب فهم ماهية الإستراتيجية. إن الإستراتيجية في تعريفها العام هي كل فعل هدفه على المدى البعيد الحصول على امتياز تنافسي أو الحفاظ عليه أو التأثير على من يمتلكه و بالتالي فالإستراتيجية حسب تعريف الدكتور إدريس أوهلال في كتابه فقه الإستراتيجية هي كل ” فعل جماعي في المستقبل ” وبالتالي غياب التخطيط لفعل التطوع في المستقبل يفقده البعد الاستراتيجي و يفقد المؤسسة التطوعية لعب الدور المنوط بها أساسا إن الممارسة التطوعية ليست ممارسة عشوائية كما نراها اليوم بل بالعكس يجب أن تكون الممارسة التطوعية ممارسة منظمة و مخطط لها بدقة وترتكز على إستراتيجية واضحة لجلب متطوعين جدد تستفيد منهم المؤسسة التطوعية بشكل يخدم قضاياها و قضايا المجتمع. إن التطوع كفعل استراتيجي له مبادئ لا يمكن تجزيئها و لا يمكن التخلي عنها منها : مبدأ التنافسية ، مبدأ الحرية و المسؤولية ، مبدأ التعاون ، مبدأ التفكير الاستراتيجي ، مبدأ اقتصاد الوسائل ، ثم أخيرا مبدأ التواصل وبالتالي ففعل التطوع لا يمكن اعتباره استراتيجيا إلا إذا كان يستحضر هاته المبادئ الست للفعل الاستراتيجي .
المصادر :
1. تقرير حالة التطوع في العالم 2018 المعنون ب ” الرابط الذي يجمعنا : التطوع و قدرة المجتمعات المحلية على الصمود ”
2. كتاب فقه الاستراتيجية للدكتور إدريس أوهلال