كمال ازنيدر يكتب: مكافحة الإسلاموفوبيا لا ينبغي أن تتحول إلى حملات كفروفوبية
كمال ازنيدر
الإسلاموفوبيا هي مرض نفسي يحدث لدى الشخص الإسلاموفوبي اضطرابات داخلية (قلق، انزعاج، عصبية…) عند رؤية أو استحضار شخص مسلم أو رمز من رموز الإسلام (حجاب، مسجد، محل تجاري إسلامي…) تدفعه إلى القيام بردود فعل غير عقلانية، جنونية تارة، عنيفة ووحشية، بغية التخلص من حضور هذا الشخص المسلم أو الرمز الإسلامي الماثل أمامه أو في ذهنه.
هي إذن نزعة تخوفية أو عدائية تهدف إلى الاحتماء من الإسلام ومعتنقيه أو إلحاق الضرر بالمسلمين والتعدي على حقوقهم وحرياتهم، وتارة سلبهم حتى حقهم في الوجود أو الحياة.
الإسلاموفوبيا كنزعة تخوفية، أو بتعبير آخر الإسلاموفوبيا التخوفية، مرتبطة بالخوف من الإسلام والمسلمين. هي تستمد أصولها بشكل خاص من المغالطات والخلط الحاصل في عملية فهم الدين الإسلامي. الإسلاموفوبيون التخوفيون يرون في الإسلام والمسلمين خطرا لا يهدد مجتمعهم فحسب، بل يهدد العالم الأرضي بأسره. ولمواجهة هذا التهديد، ولحماية أنفسهم من الخطر الإسلامي، هم ينخرطون في ردود فعل إسلاموفوبية تأخذ شكل أعمال حمائية أو عدوانية تختلف من شخص إسلاموفوبي لآخر، كل حسب درجة الخوف من الإسلام والمسلمين التي تعيش بداخله.
هذه الإسلاموفوبيا التخوفية التي تحرك هؤلاء الناس، يمكن التغلب عليها ومعالجتها. بواسطة الحوار والتواصل الجيد، من المقدور إشفاء ضحاياها وتحريرهم من مخاوف الإسلام والمسلمين التي تزعجهم وتثيرهم. بفضل النقاش السليم، والمجادلة بالتي هي أحسن، سوف يفهم هؤلاء الناس أن الإسلام ليس ظلاميا ولا إرهابيا كما يتخيلونه.
أما الإسلاموفوبيا كنزعة عدائية، أو بتعبير آخر الإسلاموفوبيا العدائية، فإن العنصرية والتطرف الديني والتعصب الإيديولوجي والنزعة التوسعية – سواء أكانت إمبريالية ثقافية أو نزعة استعمارية – هم من يحركونها. الإسلاموفوبيون العدائيون هم إما عنصريون حتى النخاع أو معادون للعرب ولثقافتهم العربية أو أشخاص متطرفون أو متعصبون لدينهم أو إيديولوجيتهم يكرهون أي شيء يرمز بالنسبة لهم للديانة الإسلامية. ومن بين هذه الرموز يمكن أن نذكر الحجاب ولباس السباحة الإسلامي الذي يعرف بالبوركيني والمساجد ومحلات بيع المنتوجات الحلال.
هؤلاء الناس ليس لديهم أدنى احترام لهوية المسلمين وحقوقهم وحرياتهم وهم مستعدون لفعل أي شيء لفرض ثقافتهم وفكرهم على المجتمع المسلم، وبما في ذلك استخدام العنف. إنهم يشعرون عند رؤية شخص مسلم أو رمز إسلامي بإحساس شديد من الاشمئزاز مصحوبا بالتوق إلى تدمير ما رأوه، وهم على استعداد للقيام بأي شيء – حقا أي شيء – لرؤيته يزول ويختفي.
إسلاموفوبيتهم مرض نفسي، دافع رهيب، لا يمكن السيطرة عليه، جنوني، مدمر وقاتل يدفعهم إلى ارتكاب أي شيء لمحو آثار الإسلام وإزعاج أو إيلام أو حتى تعذيب أو قتل كل من هو مسلم أو هي مسلمة. خطرها لا يهدد سلامة المسلمين وحرية عبادتهم فحسب، بل أيضا يهدد سلامة وحرية تعبير غير المسلمين الذين يدافعون عن الإسلام وحقوق وحريات المجتمع المسلم.
هؤلاء الإسلاموفوبيين، ليست هناك وصفة سحرية لمداواتهم من إسلاموفوبيتهم. مهما تم فعله، سيظلون معاديين للإسلام والمسلمين مدى الحياة. سوف يستغلون دائما الإعلام الخاضع لسيطرتهم لتشويه صورة الديانة الإسلامية ومعتنقيها. سيدعمون دوما الديكتاتوريين والقادة السياسيين الذين، من خلال سياساتهم، سيتم تدمير حياة مواطني العالم الإسلامي وإبقاء بلدانهم في التخلف والأزمة على جميع المستويات. وإذا أتيحت لهم الفرصة فلن يترددوا ولو للحظة واحدة في المساهمة في تشكيل وتمويل وتسليح جماعات إرهابية لا تحمل من الإسلام سوى الإسم بل وحتى ارتكاب هجمات إرهابية ونسبتها إلى المسلمين ليقولوا للعالم : “هذه هي حقيقة الإسلام وهذا هو الوجه الحقيقي للمسلمين”.
الإسلاموفوبيا سواء أكانت تخوفية أو عدائية تتمخض عنها تصرفات وأفعال إسلاموفوبية، طبيعتها وكذا خطورتها قد تختلف من شخص إسلاموفوبي لآخر. لكن محركها يبقى واحدا لدى كل الإسلاموفوبيين ألا وهو إبعاد أو إخفاء معالم الإسلام الظاهرة أمامهم. ولهذا تراهم دائما ما ينادون بـ :
- طرد المسلمين من بلدانهم ؛
- منع الحجاب بالفضاءات العمومية ؛
- حظر البوركيني بالأماكن المخصصة للسباحة ؛
- عدم الترخيص لبناء مراكز ثقافية ومساجد إسلامية ؛
- عدم السماح بالاستثمار في محلات تجارية (متاجر الجزارة، مطاعم، سناكات…) تعمل وفق مقتضيات الإسلام ؛
- حظر تأسيس جمعيات وأحزاب ذات التوجه الإسلامي…
ومنهم، من يقوده السعار أو الجنون الإسلاموفوبي إلى :
- قتل المسلمين ؛
- ضرب أو شتم معتنقي الإسلام أو البصق عليهم أو في اتجاههم ؛
- تخريب أو إحراق المراكز الثقافية والمساجد الإسلامية ؛
- إتلاف مقابر المسلمين ؛
- إلحاق الدمار بالمحلات التجارية الإسلامية ؛
- اغتصاب المسلمات ؛
- تعنيف المحتجبات، نزع حجابهن وتعرية رؤوسهن بالقوة في الأماكن العمومية…
ناهيك عن وصف المسلمين المسالمين والمعتدلين بالجهلة أو المتدينين الذين لا يعرفون دينهم الإسلامي جيدا، أو اتهامهم بالكذب والنفاق وإخفاء معتقداتهم وأفكارهم الحقيقية بممارسة التقية.
كما هناك نوع من الإسلاموفوبيا التخوفية يقود إلى :
- الاختباء من كل مسلم ؛
- البقاء بالبيت وتفادي الخروج ما أمكن خوفا من معاكسة المسلمين في الشارع ؛
- الهروب من الأماكن التي يكثر فيها تواجد الساكنة المسلمة ؛
- الرحيل عن الأحياء والمدن التي اكتظت بالمسلمين…
هذه الظاهرة الإسلاموفوبية، الإسلاموفوبيا بنوعيها التخوفي والعدائي، لا ينبغي خلطها بأعمال وأفعال هي بعيدة كليا عن كونها إسلاموفوبية كرفض الإسلام، عدم الإيمان أو الاقتناع به، انتقاده أو السخرية من رموزه ومما جاء به من معتقدات وأفكار. فهذه مواقف فكرية أو عقائدية لا علاقة لها بالفوبيا، علينا تقبل الحق في التعبير عنها كما نعطي لأنفسنا الحق في انتقاد معتقدات وفكر الغير.
فالإسلام ديانة كونية. هو رسالة موجهة للجميع. وهذا ما يمنح لكل شخص الحق في التعبير عن رأيه فيها بشكل إيجابي أو سلبي، وفقا لقناعاته أو دوافعه الشخصية… هذا ما يعطي لكل فرد الحق في أن يقول ما إذا كان يحب رسالة الإسلام أو يكرهها.
فتقدير الأشياء يختلف من شخص لآخر. ليس هناك شيئا غير طبيعي في رؤية هذه الرسالة محبوبة من قبل البعض ومكروهة من قبل البعض الآخر… إنما الشيء غير الطبيعي هو رؤية الدين الإسلامي محبوبا أو مكروها من قبل الجميع.
من سيحبون هذا الدين لهم الحق في التعبير عن حبهم للإسلام بالشكل الذي يرونه مناسبا. وهذا الأمر ينطبق على أولئك الذين سيكرهون هذا الدين… فهم كذلك لديهم الحق في التعبير عن كراهيتهم للإسلام بالطريقة التي يرونها مناسبة.
من يكرهون الإسلام لا يحق لهم أن يكمموا أفواه من يلقون بالورود على هذا الدين ويقولون أنه أفضل ديانة في العالم. ولا الذين يحبون الإسلام لهم الحق في أن يصادروا حرية تعبير من يسيئون إلى دينهم وهويتهم الدينية من دون توقف.
فالجميع أحرار. والإسلام يضمن حرية تعبير أعدائه ومعارضيه. فالله عز وجل يقول في الآيتين 112 و113 من سورة الأنعام : “وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. ولو شاء ربك ما فعلوه، فذرهم وما يفترون. ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون”.
هذه الرسالة الإلهية واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار… الله سبحانه وتعالى يأمر فيها “ذرهم وما يفترون” وليس “صادر حرية تعبيرهم”، “اسجنهم”، “اضربهم” أو “اقتلهم”.
مكافحة الإسلاموفوبيا عليها إذن أن تتقيد باحترام هذا التوجه الإلهي وألا تصبح مناورة هدفها منع نقد الإسلام وحرمان غير المسلمين – سواء كانوا إسلاموفوبيين أو لا – من جزء من حقوقهم المشروعة وحريتهم في التعبير. هي لا ينبغي أن تتحول إلى حملات كفروفوبية هدفها إرهاب الكفار وإكراههم على الصمت وكتمان مواقفهم وآرائهم بشأن ما جاء به الإسلام.
فالخلاف والاختلاف في وجهات النظر والانتقاد والسخرية والاستهزاء والاستفزاز هي أشياء عادية جدا في النقاشات والجدالات الفكرية والعقائدية. الشيء غير العادي هو أن تتحول هذه المواجهات الفكرية والعقائدية إلى عداوات وصراعات واضطهادات وتعديات على حرية وحقوق الغير.
أما الإسلاموفوبيا فهي تتعدى حدود التفكير والتعبير عن القناعات والمواقف والأفكار وتتخطاها لتصل إلى حدود العمل على الإضرار بالمسلمين والسعي إلى حرمانهم من حقوقهم وحرياتهم ولما لا إقبارهم وإنهاء وجودهم بصفة نهائية.