تحقيق: تطبيق Indriver… وسيلة تنقل أم مرتع للمرضى والمتحرشين (شهادات ووثائق)
إخباري – محمود عبابو
غالبا ما نتعب من أجل إيجاد سيارة أجرة، تنقل جسدنا المنهك بالتنقلات اليومية، والتي تحولت من فرط التكرار لمعركة سيزيفية لا تعرف للنهاية طريقا، حتى أصبح للمعركة قاموس عبارات نسمعه كل يوم، “لا خويا ماغاديش لتما”،” ندوز على شارع كذا عاد نديك”، وقد تحل لغة الإشارات محل العبارات ليكتفي سائق الطاكسي بتحريك سبابته رافعا شعار “لا” في وجه الزبون المحتمل، ولعلنا لا نبالغ اذا قلنا أن العثور على طاكسي، خصوصا في المدن الكبرى، يشبه إلى حد كبير الفوز باليانصيب اليومية، ولكن ما البديل؟
البديـــــلin driver أو careem تعددت التطبيقات
وأنت تمارس رياضة الصعود والنزول في واجهة تطبيقات وسائل التواصل الإجتماعي، أو تشاهد مقطعا على يوتوب، يحدث أن تصادف، أو تقطع فرجتك، إعلانات تبشرك بعهد تنقل جديد، بعبارات تشبه إلى حد كبير حملات التبشير، “أبشروا” انتهى عهد “جاهلية مول الطاكسي”، فلقد حلّ بين ظهرانينا، careem الكريم، و صنوه Indriver الIn، هذا الأخير الذي يعود تاريخ تأسيسه ل24 يونيو 2013 بروسيا، بينما مقره الرئيسي يتواجد بماوتن ڤيو بولاية كاليفورنيا الأمريكية ، ولمن لم يستخدم بعد هذه التطبيقات، فهي تطبيقات عالمية ومتواجدة في العديد من الدول، تنزل على الهاتف، وتتيح لمالكي السيارات الخاصة، استغلالها في نقل المواطنين إلى وجهاتهم، والحصول على مقابل يتم تحديده مسبقا عبر التطبيق، أي أنها وسيلة تضمن مدخولا اضافيا لصاحب السيارة، وتنقلا سريعا ومريحا للزبون.. هذا هو المبدأ ظاهريا.
خلّف الأمر في البداية ارتسامات طيبة، فالبدايات دوما جيدة، كجودة Tagger و Merendina قبل الانتشار، خدمة ممتازة وتفاعل كبير من مستعملي وسائل النقل، ولأن الحفاظ على النجاح أصعب من النجاح نفسه، حدث ما حدث، وتوالت التجارب السلبية.
بدأت فكرة هذا” التحقيق” بمنشور بسيط على حسابي الشخصي بفايسبوك، سرعان ما خلف ردودا متباينة، أغلبها كان بطابع سلبي، فقررت البحث أكثر والغوص أكثر في جوانب هذه التطبيقات وتجارب مستعمليها، وهذه شهادات قد تكون صادمة، وتدق ناقوس خطر ينذر بتحول هذه التطبيقات، لوسيلة تحرش و “گريساج”.
على طريقة نتفليكس..سيناريوهات للگريساج
تقول سميرة (إسم مستعار) في شهادة صوتية لجريدة” “إخباري“: “تجربتي مع Indriver، كانت مريرة،حجزت رحلتي أنا وأختي عبر التطبيق، وما إن صعدنا حتى طلب مني السائق الأداء مسبقا (وهو أمر غير متداول)، ثم بدأ يتحدث سبب لجوئه للتطبيق كسبيل للزيادة في دخله، قبل أن يطلب مني إغلاق هاتفي لأنه يشك في أنني أتحدث مع الشرطة!!، مردفا القول أنهم في حالة هروب مستمر من الأمن الوطني، فأخبرته أنني أكلم زوجي، فعرج نحو طريق جانبي، وطلب منا النزول، رغم أنه أخد أجرته كاملة، فرفضت وطلبت منه أن يأخدنا لأقرب مركز شرطة، فاستشاط غضبا، وأقلع بسرعة في اتجاه مخالف، وبدأ يحدث عبر الواتساب مجموعة تضم كل سائقي indriver، بشكل يفهم منه أنهم صنعوا تكثلا يمارسون به الضغط والترهيب، كلما قام أحدهم بأمر مخالف للقانون، أصبنا طبيعيا بالذعر، أنا وأختي، فبدأت أصرخ في وجهه، لكنه لم يأبه، فما كان أمامي إلا أن أحاول ايقافه بأي طريقة، ” مديت يدي للڤولون (المقود)”، فصرخ وتوقف، وحاول الإعتداء علي حيث قمت بحماية وجهي بيدي ما سبب جروحا والتهابات داخلية(أتوفر على شهادة طبية بهذا الخصوص)، ولولا تزامن الأمر مع تواجد حارس سيارات بالمنطقة، لوقع ما لا يحمد عقباه”.
وتضيف سميرة ” توجهنا إلى مركز الشرطة، حيث قمنا بتحرير شكاية بالموضوع (لا أعلم مصيرها لحد الآن)، مصحوبة بشهادة طبية، وقبل ذلك قمنا بالاتصال بادارة indriver من أجل تزويدنا بالمعلومات الكاملة عن السائق، لكنهم رفضوا رفضا باتا وقاطعا”.
سكين الوعظ والنهي عن المنكر
أما قصة غالية(اسم مستعار)، فتجربتها تختلف قليلا، حيث كان السائق هذه المرة مرتديا ثوب الواعظ ومالك حقوق الوصاية المجتمعية، فالشاب الوسيم كما يظهر في صورته على التطبيق (نتوفر على نسخة منها)، بدأ الحديث، بعد أن سلمته ورقة نقدية، مسبقا بناءً على طلبه (يبدو أنه عرف لدى indriver)، باستنكاره وعدم تقبله لسلوك ولباس الشابات في الشوارع، “فما كان مني إلا أن أوافقه الرأي، عندك الحق، متفقة معااك” تقول غالية، قبل أن يشهر في وجهي سكينا من الحجم الكبير قائلا: “عندك الزهر، من هضرتك باينة بنت الناس، هادشي علاش ماغاديش نتكرفص عليك، كما كندير مع لخرينات”، فقام بإنزالي دون إعطائي بقية المبلغ”، تضيف غالية.
تقييمات وشهادات إفتراضية تصب في نفس الإتجاه
يتيح متجر تنزيل التطبيقات على الهواتف، إمكانية التقييم واعطاء شهادات بخصوص استعماله، وهذه المساحة هي الأخرى لا تخلو من شهادات صادمة، فمن التحرش اللفظي إلى الجسدي، مرورا بالكلام النابي، والسياقة في حالة سكر،
كما أن المجموعات النسائية على الفايسبوك تتضمن الحكايات ألف، وهو ما استطعنا الوقوف عليه من خلال بروفايل وهمي قمنا بإنشائه بغرض النبش في تجارب المغربيات مع هذه الظاهرة الجديدة، وعلى سبيل الذكر تقول كريمة أن تجربتها كانت من باب الفضول، ولكنها كانت سيئة للغاية، بسبب التحرش ومحاولات السائق استدراجها، ولا تفكر مطلقا في تكرار التجربة.
الطاكسيات…منافسة أم اعتراض له مبرراته؟
يعود الصراع بين مهنيي سيارات الأجرة وسائقي تطبيقات التنقل الخاصة إلى سنوات خلت، وتحديدا حين بدأ استعمال تطبيق careem، كأول تطبيق يلج المغرب، فجميعنا نتذكر فيديوهات الكمائن التي كان ينصبها أصحاب الطاكسيات، من أجل اصطياد الخواص أو” الخطّافة دالتلفون” كما يحلو لهم تسميتهم، وأثناء اشتغالي على هذا الموضوع، قمت برحلات طاكسي دون وجهة محددة، كان الغرض منها الاستماع لأراء وشهادات السائقين حول هذه التطبيقات، وسبب الصراع ورفضهم لها، فاستخلصت أن السبب الرئيس ورأس الدفوعات هو عدم قانونية الظاهرة وغياب أي ضمانات أمنية لمستعمليها.
وعلى ذكر الكمائن يقول أحمد، وهو سائق سيارة أجرة بالعاصمة الرباط، أنه قرر كغيره من السائقين المهنيين المساهمة في استدراج سائقي indriver، فطلب رحلة، وفور صعوده اكتشف أن السيارة تعود لشابة في مقتبل العمر تشتغل هي الأخرى في هذا النوع من التطبيقات، وفور صعوده قام باخبار زملائه، بوجهته من أحل اعتراضها، وهو ما وقع بالفعل، لكنه تفاجأ عند حضور رجال الشرطة بادعاء الشابة أنه حاول اغتصابها، وتطور الأمر لتحرير محضر ضده، لكن القضية لحسن الحظ انتهت بحكم البراءة.
نفس الاستدراج قام به، مرة أخرى لكن هذه المرة اكتشف أن السائق يشتغل في سلك الشرطة، وبدأ يتوسل بححة أنه سيضع حدا لمسيرته المهنية، اذا قرر استدعاء الشرطة، ويضيف أحمد أن المشتغلين بتطبيقي indriver و careem ينحدرون من كل المشارب والمهن، فتجد الشرطي والأستاذ والطبيب والمحامي، بشكل أصبح يهدد مدخول السائق المهني، الذي له التزاماتةمتعددة، تجاه مالك المأذونية (لگريمة) و مصاريف البنزين.
أما رشيد السائق المهني، فيرجع رفضه للتطبيقات، إلى الهاجس الأمني، حيث قال في تصريح لجريدة “إخباري”: ” سيارات الأجرة، تملك رخصة سياقة تسمى رخص ثقة، أي أن السائق معلوم الاسم والرقم وكل معلوماته، متوفرة لدى رجال الأمن، كما أنه متبوع بتنقيط يومي (الپوانتاج)، عكس تلك التطبيقات، التي لا نعرف من السائق ولا مالك السيارة، وهل السيارة أساسا مسروقة، وهذه كلها أمور تجعل استعمال هذه التطبيقات مغامرة غير محسوبة العواقب، وهناك شهادات وحوادث كثيرة، انتهت بالمستشفيات ومراكز الشرطة”.
لجوء الطاكسيات لإستعمال التطبيقات عملا بمبدأ “كل نفسك”
هناك عبارة أمريكية شهيرة في مجال التسويق والتجارة، تقول “eat yourself before somebody eats you”، أي كل نفسك، قبل أن يلتهمك شخص اخر، وهي بشكل مبسط تعني، كن منافس نفسك، وتستعمل هذه الخطة عادة حين يظهر منافس شرس، يقدم نفس منتوجك بسعر أقل، وهذا بالضبط ما بدأ تفعيله من طرف سائقي سيارات الأجرة، أمام الانتشار الواسع لاستعمال تطبيقات التنقل ومشاركة الركوب (3 مليون تحميل بالمغرب لتطبيق indriver على متجر غوغل لوحده، دون احتساب پلاي ستور وباقي المنصات).
يقول أحمد وهو سائق سيارة أجرة، في تصريح للجريدة، أنه أصبح يشتغل بالتطبيق، لأن الناس تفضله نظرا لسعره المنخفض مقارنة مع الطاكسي، ولأنه يغنيهم عن انتظار سيارة أجرة شاغرة أو متوجهة لنفس اتجاههم، مؤكدا أنه يستعمل بالموازاة مع زبائن الشوارع أي أنه يستعمل التطبيق من أجل ايجاد زبون اضافي لنفس الوجهة، معترفا بأن الأمر أصبح مشاعا بين كل طبقات المجتمع، رغم عدم قانونيته، وهو سبب حملات الطاكسيات ضد التطبيقات”.
ادارة Indriver… تجاهل للشكايات بمبدأ” ضاع دمه بين القبائل”
لعل الخيط الناظم بين أجوبة الأشخاص الذين قدموا شهاداتهم، هو التجاهل التام للشكايات من طرف ادارة تطبيقIndriver، لكننا ومن باب ما يمليه الواجب المهني، تواصلنا مع الادارة عبر الايمايل، من أجل أخد رأيهم حول كل ماسبق من شهادات، فكان الرد عبر روبوت أتوماتيكي تارة، وتارة أخرى عبر التهرب من الأجوبة المباشرة، واستعمال عبارات فضفاضة، رغم توضيحنا بشكل صريح للغرض من المراسلة، وأن الأمر يتعلق بتحقيق صحفي، مع اخبارهم بهويتنا واسم الجريدة، وهو نفس الأمر الذي وقع حين حاولنا الأتصال هاتفيا، حيث طلب منا ترك رقم لمعاودة الاتصال بنا، وهو ما لم يحدث.
وجبت الإشارة إلى أن القانون المغربي، يعتبر هذه التطبيقات غير قانونية، وتدخل في إطار مخالفات النقل السري، التي يعاقب عليها القانون بحجز السيارات وأداء غرامات وسحب رخصة السياقة لمدة مهينة، وهو ما تنتهي به غالبا حملات سيارات الأجرة الرسمية ضد ممتهني النقل “السري” عبر تطبيقات مشاركة الركوب، رغم انتشارها الواسع، كما أن منصات التواصل الإجتماعي تتضمن مجموعات مخصصة لهذا النوع من النقل أو ما يسمى بالكوفواتيراج covoiturage.