خالد بوخش يكتب: لماذا لا نتذكر عظماءنا إلا بعد موتهم؟
خالد بوخش
إن الوطن أو الأمة التي لا رموز و لا أبطال لها تاريخيين؛ لا وجود لها؛ و إن استمرت لفترة من الزمن؛ فإنها لا محالة تضعف؛ تنكسر؛ تندثر ثم تنقرض أخيرا.
ما من بد؛ أن كل دولة أو أمة؛ من أجل أن تستمر في التاريخ؛ تلجأ إلى تأبيد ذكرى أبطالها؛ الفلاسفة و العلماء و الفقهاء و العسكريين ؛ بالإحتفاء بهم و إعطائهم المكانة المعتبرة التي يستحقونها؛ في حياتهم و كذا مماتهم؛ لأن الأمة هي أفراد أولا؛ دون أفراد فلا وجود لأمة؛ و دون أمة؛ يمكن للأفراد أن يخلقوها.
ليس عبثا أن نجد في القرآن الكريم احتفاءً بالنبي ابراهيم و اعتباره أمة؛ ” إن ابراهيم كانت أمة”؛ و هذا دليل على أن للفرد الواحد مكانة معتبرة و فعلية في رؤية القرآن الكريم. الفرد الواحد؛ و بروح القرآن؛ قد يخلق أمة. و أيضا يلمح القرآن الكريم إلى أن الفرد قد يكسر نسق و تيار ثقافي برمته من أجل بناء نسق آخر يغير الأمور إلى الأفضل. و هذا ما فعله معظم العباقرة؛ “سقراط؛ ابن رشد؛ كوبيرنيك؛ نيوتون؛ اينشتاين؛ ماركس؛ داروين؛ فرويد؛ و آخرون كثر.
بعد التقديم هذا؛ و من أجل العودة إلى صلب موضوعنا المثار أعلاه؛ لاحظنا أن مجتمعاتنا؛ و بشكل عام؛ لا يحظى أبطالها بالمكانة التي يجب أن نرفعهم إليها و خصوصا في حياتهم؛ بالمقابل؛ نجد أن المجتمعات المتقدمة ترفع أبطالها إلى الأعلى في حياتهم أولا و بعد مماتهم؛ ثقافة اعتراف حقيقي بنا أن نسلك نهجها؛ هذا إن كنا نريد الإستمرار و التقدم لملاحقة الآخر الهارب منا بسرعة فائقة.
كما أن الإعتراف بالخطأ فضيلة؛ فإن الإعتراف بالجميل أفضل؛ حيث يمد جسور التواصل الجيد المتماسك الذي يجعل الصفوف متراصة ضد أي خطر خارجي طارئ؛ طبيعيا كان أو بشريا.
إن الإعتراف بجميل عنصر من المجتمع قبل مماته؛ أفضل من التأجيل إلى ما بعد ذلك؛ لم يأت كلام دوستويفسكي فارغا و عبثا عندما قال على لسان أحد شخوصه فيما مفاده :” عندما تأتي إلى المقبرة لزيارتي؛ لا تضع الورد على قبري؛ امنحه لحارس المقبرة أفضل”؛ لأن منح الورد للحارس الذي مازال حيا؛ له رمزية اعتراف له؛ و هو ما سيدفعه للقيام بواجب الحراسة و تأمين الموتى في المقبرة أكثر؛ أما وضعه على القبر؛لا فائدة ترجى منه.
إن تكريم البطل و هو حي يرزق؛ يعزز و يدفع المعترف به إلى العمل أكثر؛ و في نفس الوقت يدفع بكل الأفراد الآخرين إلى التأسي به و المشي على نهجه.
حان الوقت؛ لكل مؤسسات الدولة المغربية ؛ أن تكرم أبطالها” في كل الميادين” و هم أحياء يرزقون؛ الإشكال سيبقى فقط؛ في الإختيار؛ خصوصا و أننا في الآونة الأخيرة؛ نرى تكريمات كثيرة و كبيرة لأناس لا يستحقون بتاتا كل تلك الهالة الإعلامية التي يحظون بها؛ إن الأولى بالتكريم ” الطبيب المكافح؛ العسكري القابض على الجمر من أجل حماية الوطن؛ المعلم الناجح؛ المناضل السياسي أو الحقوقي الحق؛ الصحفي الذي يبحث الخبر بكل تجرد و صدق؛ المحامي الشريف؛ و القاضي العادل و المهندس البارع؛ و العامل الكادح “؛ هؤلاء هم حماة الوطن؛ و عبرة كورونا ليست بعيدة عنا لو كنا نعتبر، و ذلك من أجل مقاومة المد الإعلامي الأخير لكل ما هو تافه و زائد عن الضرورة.