تحليل..كيف تستفيد الولايات المتحدة عسكرياً من حربي أوكرانيا وغزة؟
إخباري – زياد الأشقر
للوهلة الأولى، لا يبدو أن ثمة الكثير من القواسم المشتركة بين حربي أوكرانيا وغزة. فالقتال في أوكرانيا هو نزاع تقليدي يضع دولتين، واحدة في مواجهة الأخرى، بينما حرب غزة تضع قوة عسكرية تقليدية في مواجهة منظمة مسلحة.
شن الهجمات عملية صعبة خصوصاً في المدن، حيث توفر المباني غطاءً للمدافعين وللمدنيين.
ومع ذلك، بحسب ما يقول كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية ماكس بوت، إنه بعدما تحدث في الأسابيع الأخيرة مع جنرالات أمريكيين حاليين ومتقاعدين ومحللين مدنيين ممن يدرسون النزاعين، توصل إلى استنتاج يعزز الدروس ذاتها، والتي يحتاج الجيش الأمريكي إلى استيعابها على نحو عاجل.
ويرى أن حماس، علاوة على كل شيء، ليست منظمة إرهابية فحسب. إنها كيان حكومي بالأمر الواقع دخلت الحرب بـ30 ألف مقاتل -وعلى غرار الجيش الروسي في أوكرانيا، انخرطت في ارتكاب جرائم حرب فظيعة”. وفي الحالتين، فإن العنف الضاري يرمي إلى إرهاب الأعداء وحملهم على الاستسلام. ويبدو أن قادة حماس لا يكترثون للثمن الكبير الذي يدفعه المدنيون-وحتى من مقاتليهم- من خلال الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر (الملاحظ أنهم لم يفتحوا الأنفاق لحماية المدنيين من القصف الإسرائيلي). وعلى نحو مماثل لم يعر الكرملين أهمية كبيرة لتفادي قتل المدنيين وكذلك بالنسبة لجنوده، الذين ضحى بهم في هجمات “طاحنة”، من أجل كسب بضعة أمتار من الأرض.
أفضلية عسكرية
وفي رأي بوكس أن الحربين في غزة وأوكرانيا يجب أن تذكرا القادة الغربيين الراضين عن أنفسهم، بأن “أعداءنا لا يتشاركون في قيمنا الغربية، ولذلك هم أقل حساسية بكثير من الجيوش الغربية بالنسبة لعدد الإصابات. وهذا ما يمنحهم أفضلية عسكرية أساسية”.
ومؤخراً، اعترف قائد الجيش الأوكراني الجنرال فاليري زالوجني في مقابلة مع مجلة “إيكونوميست” البريطانية، بأنه كان مخطئاً عندما اعتقد بأنه يمكنه وقف الهجوم الروسي من خلال إلحاق خسائر فادحة بالغزاة. وعلى رغم أن الاستخبارات الأمريكية تقدر بأن 315 ألف جندي روسي قتلوا أو جرحوا، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يواصل الهجوم. وهكذا أيضاً، فإن القادة الإسرائيليين مخطئون إذا ما كانوا يعتقدون بأن آلام الفلسطينيين ومعاناتهم، ستؤدي بحماس إلى وقف القتال.
وقال قائد القيادة المستقبلية للجيش الأمريكي الجنرال جيمس إي. ريني مؤخراً، إن نزاعي أوكرانيا وغزة يجب أن يذكرا بأن “الحرب تظل في المقام الأول مسعى إنساني، والأرض هي العامل الحاسم، والصراع في المناطق الحضرية لا مفر منه بقدر ما هو غير مرغوب فيه، وبأن الكفاءة القتالية المباشرة على مستوى الوحدة الصغيرة أمر مطلوب وحاسم”.
قتال من مسافة قريبة
قد تبدو مثل هذه الاستنتاجات واضحة، لكنها تتعارض مع الاتجاه الحديث في الغرب، بما في ذلك القوات المسلحة الإسرائيلية والأمريكية، لمحاولة تقليص الحرب إلى تمرين استهداف بعيد المدى باستخدام أنظمة توجيه الضربات الدقيقة. وتظل هذه القدرات مهمة، لكن أوكرانيا وإسرائيل تتعلمان من جديد، الحاجة إلى قوات برية قادرة على الاقتراب من قوات العدو، وتدميرها في قتال من مسافة قريبة.
إن شن الهجمات عملية صعبة خصوصاً في المدن، حيث توفر المباني غطاءً للمدافعين وللمدنيين الذين يوجدون على خط النار. وشهدت أوكرانيا سلسلة من المعارك الدامية التي اندلعت في المدن أو حولها مثل ماريوبول وباخموت وأفدييفكا وخيرسون. والآن في قطاع غزة، تقاتل القوات الإسرائيلية في منطقتين حضريتين معاً -في مدينة غزة وخان يونس-، حيث تشكل شبكة الأنفاق الواسعة لحماس بعداً تهديدياً آخر. وإذا ما اخذنا في الاعتبار أن 68% من سكان العالم يتجهون للعيش في المدن بحلول سنة 2050، فإنه من الحيوي جداً اتقان ما يسميه الجيش الأمريكي العمليات العسكرية في الأراضي الحضرية.
الفلوجة والرمادي
خاضت القوات الأمريكية في العقود الأخيرة قتالاً في الفلوجة والرمادي، وقدمت الدعم للقوات المحلية في القتال ضد تنظيم داعش الإرهابي في الموصل والرقة، لكنها لم تواجه نوع التحديات الذي يواجهه الجيش الإسرائيلي في مناطق حضرية أكثر تحصيناً. ويتساءل اللفتنانت جنرال الأمريكي المتقاعد ديفيد دبليو بارنو والمحللة العسكرية نورا بنساهيل في كتاب “حرب على الصخور” “متى آخر مرة أجلت فيها قوات المشاة الأمريكية مستشفى – أو ناطحة سحاب”.
وأضافا أن “القوات المسلحة الأمريكية لن تكون قادرة على الاعتماد على تكتيكات المواجهة والضربات الدقيقة وحدها، خلال عمليات حضرية في مدينة كبيرة… وهذا يعني أن القوات الأمريكية البرية يجب أن تكون أكثر تنظيماً وتدريباً وتجهيزاً، من أجل قتال حضري عنيف”.
وهناك درس آخر جرى تعمله في أوكرانيا وعززته غزة، وهو بحسب ما قال القائد الأمريكي السابق لقوات الحلفاء في أوروبا الأدميرال البحري المتقاعد جيمس ستافريديس، إنه “يجب أن ننخرط ونفوز بمعركة المعلومات، وهذا يعني السيطرة على دائرة الأخبار، وإنتاج محتوى مرئي مقنع، وتقديم متحدثين ذوي كفاءة وصدقية”.
وتعول كل من إسرائيل وأوكرانيا على الولايات المتحدة في تجديد مواردهما العسكرية. ومع ذلك، حتى لو تمكن الكونغرس من توحيد جهوده لتوفير الدعم المطلوب بشدة (وهو أمر محل شك كبير في الوقت الحاضر)، فإن صناعة الدفاع الأمريكية لا تستطيع إنتاج ما يكفي من الذخائر. وأشار اللفتنانت جنرال الأمريكي المتقاعد دوغلاس لوت إلى أن “قاعدتنا الصناعية الدفاعية تراجعت على مدى الأعوام الثلاثين الماضية وأصبحت الآن نقطة ضعف خطيرة”. لذلك، “إن الحرب في غزة يجب أن تعزز رسالة الحرب في أوكرانيا حول الحاجة إلى إعادة تنشيط الإنتاج الدفاعي الأمريكي”.